بعد ما يقرب من ثلاثة أشهر من الزلازل المدمرة في جنوب تركيا التي خلفت أكثر من 50 ألف قتيل وملايين بلا مأوى، لا يزال الناجون يكافحون للعودة إلى حياتهم الطبيعية والحصول على الضروريات الأساسية.
في نورداجي، وهي بلدة في مقاطعة غازي عنتاب حيث ارتقى 2028 شخصًا، يعيش الناجون في مدينة حاويات تضم أكثر من 17000 شخص، مجهزة بمركز طبي وصيدلية ومركز دعم نفسي ومسجد ومدرسة ومكتبة، بالإضافة إلى مسرح وركن للوجبات ومحلان للحلاقة وملعب كرة قدم صغير.
وكان مسؤول في رئاسة إدارة الكوارث والطوارئ التركية (أفاد): قد صرح بالقول: “لقد أكملنا بناء مدينة الحاويات هذه في غضون ثلاثة أسابيع بعد الزلزال”.
وأضاف: “أولويتنا هي الحفاظ على حياة طبيعية، ولهذا السبب نكلف سكان المخيم لأداء وظائف مختلفة، وننظم بطولات كرة القدم، ونجلب العديد من شركات المسرح، ولا نقدم الطعام فحسب، بل أيضًا الأجهزة المنزلية مثل الثلاجات.”
بعد تجاوز الآثار المدمرة الأولية للزلازل، يبدو أن الناس يركزون على مستقبلهم، مما يضغط على المسؤولين بأسئلة حول موعد بناء منازل جديدة.
كانت نورداجي أول مدينة ضربها الزلزال حيث تم بناء المنازل وتسليمها لأصحابها، وخلال حفل الافتتاح الخاص بتسليم تلك المنازل في أواخر أبريل، بحضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تم تسليم 14 منزلاً جديدًا مع مزارعهم الخاصة وافتتاح ملاجئ خاصة بالماشية.
وأعلن أردوغان في الحفل أن الحكومة ستبني 650 ألف منزل جديد، على أن يتم إنجاز 319 ألف منزل في غضون عام.
وأوضحت رئيسة بلدية غازي عنتاب، فاطمة شاهين قائلة: “تم بناء جميع هذه المنازل في غضون 75 يومًا، وسنبني المزيد في وقت قصير جدًا”.
وعبرت العائلة الأولى التي أعيد توطينها في منزل جديد عن سعادتها التي لم يسبق لها مثيل، قائلين: “لقد فوجئنا أيضًا بمدى السرعة التي حصلنا بها على منزل جديد، نحن ممتنون للحكومة وللرئيس”.
وعلى الرغم من الأجواء الإيجابية، إلا أن الناس لا يزالون يعانون من القلق وآثار الصدمة ما بعد الزلازل.
وفي هذا الشأن، قال إمري أوزديل، خبير الخدمات الاجتماعية والعامل داخل مخيم الحاويات، إن فريقه كان يقدم الدعم النفسي لمائة شخص كل يوم، معظمهم من الأطفال.
وأضاف أوزديل: “نلاحظ أنواعا مختلفة من التداعيات النفسية، مثل الأرق، والتلعثم، وعدم المبالاة بأي شيء، أو البكاء المستمر”.
كان الحزن أكثر حدة خلال الشهر الماضي، حيث زار الآلاف من سكان نورداجي في عيد الفطر المقابر الجماعية لأحبائهم الذين فقدوهم في الزلازل، وكانت بعض شواهد القبور لا تحمل أسماء، بل أرقاما فقط.
فقد فاروق أولكوشو زوجته وطفليه وشقيقه وستة أقارب آخرين في الزلزال، بينما نجا هو من تحت الأنقاض عندما أنقذه فريق البحث بعد أن استطاع الصمود ليوم كامل.
وقالت والدة أولكوشو بمرارة: “لم نكن هكذا، لقد اعتدنا أن نمتلك كل شيء، واعتدنا تقديم اللحوم والحلويات وكل شيء لضيوفنا”، وبينما كانت دموعها تنهمر، قاطع ابنها حديثها قائلاً “لا شيء يتعارض مع إرادة الله”.
في منزل حاوية مجاور، كانت عائلة أخرى ترحب بأقاربها من بلدة مختلفة، حيث فقد بوراك آيدين أجداده وأبناء أخيه وأعمامه، وبات يعيش الآن في المخيم مع زوجته الحامل وابنته البالغة من العمر ثلاث سنوات وأمه المصابة بالربو.
وقال آيدين “نشكر الله. نشكر حكومتنا. لقد قدموا لنا كل ما نحتاجه. في اليوم العاشر، كان لدينا حاوية مفروشة. الآن، ننتظر حتى نسمع عن المنازل الجديدة”.
داخل المخيم، لن تكون الانتخابات القادمة التي تشهد تنافساً حاداً في تركيا هي الموضوع الرئيسي للنقاش، بل موضوع بناء منازل جديدة.
يعتقد الناس أن المساعدة الاجتماعية وتوصيل الطعام والحاويات ليست طريقة حياة مستدامة، إنهم يتوقون إلى منزل ووظيفة مناسبة وحياة طبيعية مرة أخرى.
وعلى عكس الفوضى التي سادت الأسابيع الأولى بعد الزلزال، يبدو أن الأمور قد استقرت في المنطقة. فعلى سبيل المثال، تم تخصيص مخيما ممولا من الناتو في بلدة سيرينيول في مقاطعة هاتاي لطلاب المدارس الثانوية، بينما كانت السفينة الحربية TCG Bayraktar تعمل كمستشفى مجهز بالكامل.
وعلى عكس نورداجي أو إسكندرون، فإن عاصمة هاتاي أنطاكيا باتت مدينة أشباح، بلا سكان، فالزلزال كان مدمرًا للغاية لدرجة أنه تقريبا لم تكن هناك مبان غير متضررة يمكن رؤيتها.
كما أصبحت ضفاف نهر العاصي فارغة ومظلمة ومثيرة للاكتئاب، بعد ان تمت إزالة معظم الأنقاض، وما تبقى عبارة عن ساحات كبيرة فارغة كانت تحتوي المباني ذات يوم، وجنود متمركزبن في كل مكان في المدينة، كثيراً ما يوقفون الزوار للتحقق من الهوية ويفرضون حظر التجول.
وقالت سيريف التي نزحت مع عائلتها من منزلهم في أنطاكيا إلى خيمة خارج المدينة: “ذهب بيتنا، وما زلنا نعيش في خيمة في الأحياء العليا، نسمع عن وعود لبناء منازل جديدة، لكننا نحتاج أولاً إلى حاويات ومياه جارية وكهرباء”.
عملية انتخابية معقدة
ركز الناجون بشكل أساسي على التكيف مع حياتهم الجديدة بعد الزلزال، لكن بقية البلاد مهتمة أيضًا بكيفية تمكن الناخبين في المنطقة التي ضربها الزلزال من المشاركة في انتخابات 14 مايو.
وفقًا للوائح الانتخابية، في حالة حدوث تغيير في العنوان، يجب على المواطن التسجيل للتصويت في موقعه الجديد بحلول 17 مارس.
تشير التقديرات إلى أن أكثر من ثلاثة ملايين شخص غادروا مدنهم المدمرة إلى مناطق أخرى، ولا يزال من غير المعروف كم عدد الذين سجلوا أسماءهم منهم للتصويت في مدنهم الجديدة.
ذكر مسؤول في أفاد في نورداجي أن التسجيل لن يمثل مشكلة لسكان المدينة، لأن الأحياء قد تم نقلها إلى مدن الحاويات القريبة.
وقال أولجوجو: “قيل لنا أن صناديق الاقتراع الخاصة بنا ستوضع في المدارس المؤقتة، لذلك سنذهب ونصوت ببساطة.”
أطلقت المعارضة الرئيسية، حزب الشعب الجمهو (CHP)، حملة لتشجيع الناس على السفر إلى مدنهم الأصلية في منطقة الكارثة للتصويت.
أعلن الحزب أن الحافلات، التي استأجرها حزب الشعب الجمهوري، ستنقل الناجين من الزلزال إلى مدنهم مجانًا، لكنه طلب أيضًا من الحكومة تسهيل وسائل السفر الأخرى، مثل زيادة عدد الرحلات الجوية أو القطارات.
ولكن نظرًا لأن الفنادق والمطاعم والمرافق الرئيسية الأخرى لا تزال معطلة، فإن الناس يشعرون بالإحباط من القيام بمثل هذه الرحلة.
تم تسجيل تسعة ملايين ناخب في المنطقة التي ضربها الزلزال، حيث سيتم انتخاب 96 نائبا، فيما يبدو أن عملية التصويت في هاتاي ستكون الأكثر تعقيدًا، حيث اضطر جميع السكان تقريبًا إلى مغادرة وسط المدينة.
وفي آذار/ مارس، أوضحت محافظة هاتاي إن جميع السكان الذين تم نقلهم ما زالوا بحاجة إلى التسجيل في سجلات الناخبين.
وأشار رئيس بلدية هاتاي، لوتو سافاس، الشهر الماضي أن 200 ألف من سكان المدينة لن يكونوا قادرين على التصويت بعد فشلهم في التسجيل بحلول الموعد النهائي للتسجيل في آذار / مارس، بينما سيصوت 150 ألفًا في مدن أخرى.
وذكرت عائشة أرلي، المقيمة في مدينة هاتاي أنها لم تسجل بعد انتقالها إلى خيمة، حيث كانت منشغلة في حزنها وفي البحث عن أقاربها الذين فقدتهم في الزلزال.
وكان مطار هاتاي قد علق الرحلات الجوية الشهر الماضي، بعد أن قالت الخطوط الجوية التركية إنه يتعين تقصير المدرج بسبب أضرار الزلزال لتجنب مخاطر الإقلاع والهبوط.
لكن المعارضة تعتقد أن الخطوة كانت تهدف إلى منع السكان من التصويت، لأن المدينة تعتبر معقلاً لها.
وبين محمد علي قولات، رئيس MAK Consultancy، وهي شركة أبحاث اجتماعية، إنه كان من المستحيل إجراء مسح في المنطقة بسبب الظروف الحالية.
وتابع:” غادر ملايين الأشخاص مدنهم وفشلوا في تسجيل أسمائهم، لذلك لا يمكننا بناء قاعدة بيانات دقيقة”.
“وأشار قولات إلى أن الهجرة ستخلف بالتأكيد تأثيراً على النتائج،” لأن مئات الآلاف من الناخبين لن يتمكنوا من المشاركة”.
وتشير الملاحظات إلى أن الأحزاب السياسية قد تحافظ على حضورها الذي حققته في الانتخابات الأخيرة.
فعلى سبيل المثال، في نورداجي، حيث حصل أردوغان على 76 في المائة من الأصوات في انتخابات 2018، يعلن الناس صراحة دعمهم للحكومة.
وبدا أولكو واثقًا من فوز أردوغان، وقال:” لدينا كل شيء، لدينا المدارس والمرافق الطبية، وكل ما نحتاجه، كيف يمكن للناس أن يلوموا الحكومة؟ ماذا يمكن أن يفعل أردوغان غير ذلك؟”
أما والدته المريضة فأضافت أن “الشباب لا يعرفون حقبة ما قبل أردوغان، لو كان هناك حزب آخر يحكم تركيا، كنا سنبقى في الشارع”.
وقال برهان أيدن، وهو ضابط شرطة متقاعد “سنصوت بالتأكيد لأردوغان “.
أما قولات فأكد أن الخيارات السياسية للناخبين الذين لم يغادروا المنطقة التي ضربها الزلزال لم تتعرض لتغييرات كبيرة.
وكان سكان المنطقة قد وجهوا النقد لتعامل الحكومة مع الزلزال، لكن ردهم على سؤال “من يستطيع بناء منازلهم مرة أخرى؟ كان أردوغان “.
لكن، وبالنسبة لبوراك آرصوي، أحد أنصار حزب الشعب الجمهوري الذي يقيم مع أسرته في خيمة بالقرب من أنطاكيا منذ شهور، فإن الإحباط من الحكومة واضح.
وقال “نريد من هذه الحكومة غير الكفؤة أن ترحل، بعد هذا الفشل في التعامل مع أزمة الزلزال، لا أفهم كيف لا يزال الناس يصوتون للحكومة”.