مع توجه تركيا إلى صناديق الاقتراع في نهاية هذا الأسبوع، تعد كل من الحكومة والمعارضة بإعادة ملايين اللاجئين السوريين الذين يعيشون في البلاد إلى ديارهم.
لكن السوريين في إدلب يتساءلون عن كيفية القيام بذلك، في ظل الظروف القاسية في سوريا بعد 12 عامًا من الحرب.
ويعتاش إسماعيل من متجر صغير يملكه في أحد مخيمات مشهد روحين في إدلب، حيث يحاول 40 ألف شخص الصمود في منازل مبنية من قوالب الفحم الحجري.
#كاريكاتير | معاناة السوريين#سوريا #تركيا#اللاجئين_السورين#الأمم_المتحدة pic.twitter.com/TB3EskSJJD
— yahya (@yahya_kadaa) March 14, 2023
تساءل إسماعيل مستنكراً:” من سيرغب في العودة إلى هنا؟ لا توجد بنية تحتية ولا تعليم ولا وظائف”.
تقع مخيمات روحين تحت رقابة صارمة من المسؤولين الأتراك الذين قالوا إن إدلب، التي تسيطر عليها الآن إلى حد كبير جماعة هيئة تحرير الشام، والمناطق المحيطة بها تواجه عدداً متزايداً من عمليات الخطف والسرقة والأنشطة الإرهابية.
ووفقاً للمسؤولين فقد تفاقمت هذه الأعمال بسبب التطرف والفقر والأزمات الاقتصادية في كل من سوريا وتركيا.
ومدينة إدلب اليوم مقسمة بين قوات الأمن التركية والجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا وهيئة تحرير الشام، حيث تنتشر نقاط التفتيش الأمنية والشبان المسلحون التابعون لهيئة تحرير الشام في كل مكان.
“نحن نعيش في فقر مدقع. هذا المكان لا يصلح للبشر ولا حتى للحيوانات” – سوري مقيم في مخيم روهين في إدلب.
وبالإضافة إلى الصعوبات الاقتصادية وانعدام الأمن، دمرت أمراض مثل الكوليرا الحياة في ظل عدم كفاية المرافق الطبية لعدد السكان المتزايد باستمرار بسبب الهجرة الداخلية.
عززت تركيا الإجراءات الأمنية للقضاء على المعابر الحدودية غير الشرعية من سوريا.
وأثار مقتل سوري على يد قوات الأمن التركية، في آذار / مارس موجة غضب في إدلب، لكن سكان المخيم رفضوا الحديث عن مثل هذه الحوادث.
خطط العودة
بدأت تركيا في بناء منازل الفحم الحجري عام 2020 في أجزاء مختلفة من إدلب بهدف إعادة توطين ما يقرب من أربعة ملايين لاجئ في البلاد.
لكن عدد سكان محافظة إدلب تضاعف أكثر من مرة منذ بداية الحرب وبات يقدر الآن بأكثر من ثلاثة ملايين نسمة.
وتعهد كل من حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا والتحالف السداسي المعارض بالبدء في إعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم.
بل ان المعارضة اتخذت من إعادة السوريين ركيزة من ركائز برنامجها الانتخابي، متعهدةً بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم في غضون عامين من الفوز المأمول في الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
ولم تكشف المعارضة عن أي خارطة طريق تفصيلية لعملية إعادة اللاجئين، لكن مرشحها المشترك كمال كيليتشدار أوغلو أعلن في شريط فيديو أن حكومته ستحل “مشكلة اللاجئين” بطريقة تتجنب تقديمهم ككبش فداء.
وقال كيليتشدار أوغلو إن تركيا ليس لديها موارد طبيعية واقتصادية كافية لمواصلة استيعاب ملايين اللاجئين.
وأضاف:” سوف نعيد السوريين إلى وطنهم في غضون عامين من خلال إجراء محادثات مع الاتحاد الأوروبي ودول البحر الأبيض المتوسط وكذلك الحكومة السورية”.
كما وجه نداءً إلى الاتحاد الأوروبي، قائلاً إنه يجب حل مشكلة اللاجئين بشكل مشترك.
ويعتقد العديد من الخبراء أن وعد “العودة” غير واقعي ولا يتوافق مع الحقائق على الأرض.
وذكر عمر بهرام أوزدمير، الباحث في مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية إنه لا يمكن للمعارضة ولا الحكومة الحالية إعادة السوريين بسهولة لثلاثة أسباب.
وقال أن عدد اللاجئين الكبير الذي يتجاوز الثلاثة ملايين شخص يمثل السبب الأول، فيما يشكل رفض النظام استقبال اعداد كبيرة منهم السبب الثاني، في حين يكمن السبب الثالث في أن النظام صادر الأراضي والمنازل المهجورة التي كان يملكها اولئك اللاجئون بقوانين خاصة سنها لهذ الغرض.
من ناحيته، أكد سمير سعيفان، مدير مجموعة أبحاث مركز حرمون للدراسات المعاصرة أن قضية اللاجئين كانت تستخدم كـ “ورقة مساومة” بين الحكومة السورية والمجتمع الدولي.
وبيّن سعيفان، أن نظام دمشق يريد إبقاء أزمة اللاجئين حية من أجل المساومة عليها برفع العقوبات.
وزعم كيليجدار أوغلو في مقطع الفيديو الذي نشره أن الأمن والبنية التحتية وإعادة الإعمار في سوريا سيتم توفيرها بمشاركة الشركات التركية من خلال التعاون بين حكومة الأسد وتركيا وفاعلين دوليين آخرين.
لكن سعيفان يعتقد أن هذا غير ممكن أيضًا، لأن إعادة الإعمار ليست مطروحة للنقاش حاليا.
وأوضح أن سوريا لا تزال مقسمة إلى أربع مناطق سيطرة، مشيراً إلى أن العقوبات ما زالت قائمة، “ولا يمكن البدء بإعادة إعمار قبل تنفيذ حل سياسي وفق قرارات الأمم المتحدة، وهذا ما زال بعيداً”.
خطط الحكومة
من ناحيتها، اتخذت الحكومة التركية الحالية خطوات لوضع خطة لـ “عودة آمنة” للسوريين، بما في ذلك محادثات إعادة العلاقات مع دمشق التي توسطت فيها روسيا.
وفي اجتماع عقد في أواخر نيسان / أبريل في موسكو، أجرى وزير الدفاع التركي خلوصي أكار ورئيس وكالة المخابرات الوطنية التركية هاكان فيدان محادثات مع نظيريه السوري والإيراني.
وبحسب بيان رسمي تركي، كان التطبيع بين تركيا وسوريا وجهود إعادة السوريين من بين الموضوعات التي تمت مناقشتها.
كما عقد وزراء خارجية تركيا وروسيا وسوريا وإيران اجتماعا في موسكو يوم الأربعاء.
وركزت تصريحات كل جانب على وجود “فرصة” لاتخاذ خطوة نحو إصلاح العلاقات.
لكن سعيفان لم يكن متفائلا أيضا، معبراً عن اعتقاده بأن الانتخابات التركية كانت وراء هذا التقارب الرسمي بين أنقرة ودمشق من أجل كسب الأصوات”.
وأعلنت الحكومة التركية أنه حتى أواخر عام 2022، عاد أكثر من نصف مليون سوري إلى بلادهم.
أحدهم هؤلاء العائدين كان أحمد، الذي كان يعيش في أنطاليا التركية، والذي أكد أن الظروف في مخيم روهين الذي يقيم به حالياً مع عائلته “غير كافية للحفاظ على الحياة الإنسانية”.
وقال عبد السلام، وهو رجل في الستينيات من عمره: “بدلاً من التعامل مع ذلك الجزار (الأسد)، فإنهم يحاولون تدمير حياة اللاجئين الأبرياء، نحن نحب تركيا، لكن معاملتها الأخيرة مروعة”.