بقلم نادية ناصر نجاب
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
قبل عام من الآن، رحلت شيرين أبو عاقلة برصاص قناص إسرائيلي، لكن العدالة لا تزال بعيدة المنال عنها وعن عدد لا يحصى من الفلسطينيين.
لطالما غطت شيرين معاناة الفلسطينيين القابعين تحت الاحتلال بشغف وتعاطف كبيرين، مع محافظتها على التوازن المهني.
وعند مشاهدة التغطية الإعلامية الحالية للمظاهرات والاحتجاجات، لا أستطيع إلا أن أتخيل رؤيتها هناك في الميدان وهي تنظر إلى الكاميرا وتتحدث بصوتها المعتاد الهادئ والموثوق.
تزامنا مع ذكرى اغتيال الزميلة #شيرين_أبو_عاقلة.. تفاعل واسع مع ما كشفت عنه حلقة برنامج #ما_خفي_أعظم على شاشة #الجزيرة بشأن وجود سياسة إسرائيلية ممنهجة للتهرب من العقاب في قضايا قتل الصحفيين#الأخبار pic.twitter.com/GMjWz4io0u
— قناة الجزيرة (@AJArabic) May 21, 2023
في تقريرها الأخير، الذي أحيت فيه ذكرى النكبة الفلسطينية وتم تصويره قبل يومين فقط من اغتيالها، زارت أبو عاقلة قرية الرويس في الضفة الغربية المحتلة للتحدث مع الناجين الذين طردت عائلاتهم قبل 74 عامًا.
أظهر التقرير أن أبو عاقلة في أفضل حالاتها، تحكي قصص الناس متعاطفة معهم ومع آلامهم، لقد كانت قريبة منهم وكانوا قريبين منها أيضا.
تفاقمت معاناة عائلة أبو عاقلة وأصدقائها بسبب أكاذيب الجيش الإسرائيلي وخداعه وازدرائه المتكرر للشفافية والمساءلة واللياقة الإنسانية الأساسية.
خلصت التحقيقات المتعددة بما في ذلك تلك التي أجرتها CNN ووحدة التحقيقات الجنائية التابعة لمؤسسة الحق، إلى أن أبو عاقلة قُتلت عمداً.
وبرغم التقارير، ادعى تحقيق إسرائيلي داخلي إنه من المحتمل أن يكون قد تم إطلاق النار عليها بالخطأ، على الرغم من أن ملابسها تحدد بوضوح أنها صحفية.
وتواصل إسرائيل إنكار ارتكاب أي مخالفات من خلال رفضها التعامل مع إفادات شهود العيان وما تظهره مقاطع الفيديو من أدلة.
لا يقتصر هروب إسرائيل من المساءلة على قضية أبو عاقلة، ففي أيلول/ سبتمبر 2000 في بداية الانتفاضة الثانية، قُتل محمد الدرة، صبي يبلغ من العمر 12 عامًا، برصاص القوات الإسرائيلية بينما كان يختبئ خلف والده.
أقر الجيش الإسرائيلي في البداية بأنه قتله عن طريق الخطأ لكنه تراجع لاحقًا عن هذا الاعتراف، وفي أيار/ مايو 2013، ذهب تقرير بتكليف من الحكومة إلى حد الادعاء بأن قتل الصبي ربما يكون قد تم التخطيط له.
تدابير قمعية
كما في قضية أبو عاقلة، لم يتحدث المحققون إلى شهود العيان، واعتمدوا بشكل أساسي على مصادر عسكرية، بما في ذلك تحليل الفيديو والتقارير الطبية.
طلال أبو رحمة، مصور فلسطيني من قطاع غزة، قام بتصوير فيلم قتل الدرة الذي بثته قناة فرانس 2 وصدم العالم.
وفي وقت لاحق، رفضت الحكومة الإسرائيلية التقرير ووصفته بأنه “مبرر للإرهاب ومعاداة السامية ونزع الشرعية عن إسرائيل”.
في حادثة أخرى، بعد أن هاجمت إسرائيل مخيم جنين للاجئين في نيسان/ أبريل 2002، أنتج المخرج محمد بكري فيلم “جنين جنين” بناءً على مقابلات وشهادات فلسطينية، فقط لتتم مقاضاته في عام 2016 من قبل جندي احتياطي إسرائيلي بتهمة التشهير.
وفي وقت لاحق، حظرت محكمة إسرائيلية عرض الفيلم، وحُكم على بكري بدفع حوالي 50 ألف دولار كتعويضات و15 ألف دولار كتكاليف قانونية.
وعقب صدور الحكم، أجرت الراحلة أبو عاقلة مقابلة مع بكري، وسلطت الضوء على الإجراءات القمعية التي تتخذها إسرائيل لإسكات الرواية الفلسطينية.
من بين القتلى الآخرين على يد الدولة الإسرائيلية والمستوطنين محمد خالد العصيبي البالغ من العمر 26 عامًا، وهو طبيب أطلق عليه الرصاص مؤخرًا عند مدخل مجمع المسجد الأقصى من خلال ما وصفته محكمة إسرائيلية بأنه “دفاع قانوني عن النفس”.
أما محمد أبو خضير، 16 عامًا، فقد اختطفه المستوطنون عام 2014، قبل تعرضه للتعذيب والحرق حتى الموت في قضية أدين فيها ثلاثة مستوطنين وحكم عليهم بالسجن لمدد طويلة.
وعندما طالبت عائلة أبو خضير بهدم منازل الجناة كما يحدث بانتظام لمنازل الفلسطينيين كإجراء عقابي، رفضت المحكمة، متذرعة بأن الإرهابيين اليهود هم “أقلية من أقلية من أقلية”.
يهدف هذا الخداع إلى التقليل من واقع عنف المستوطنين في جميع أنحاء فلسطين المحتلة.
في الحقيقة، تصاعد عنف المستوطنين منذ أن انتخب الإسرائيليون العام الماضي حكومة متطرفة يمينية تضم الزعيم الصهيوني الديني بتسلئيل سموتريتش، الذي دعا علانية إلى اتباع سياسة إطلاق النار للقتل.
كما تضم الحكومة زعيم القوة اليهودية إيتامار بن غفير، الذي أدين في 2007 بالتحريض على العنصرية ودعم منظمة كاخ الإرهابية.
الفكر الصهيوني
مثل هذه الآراء المتطرفة هي ثمرة للأيديولوجية الصهيونية الاستعمارية في إسرائيل التي دعمتها القوى الخارجية منذ نشأتها.
ومن المفيد هنا التذكير بأن وعد بلفور لعام 1917 التزم بإقامة “وطن قومي” لليهود في فلسطين، دون استشارة الفلسطينيين أو حتى الاعتراف بوجودهم.
ومنذ ذلك الحين، قوبلت المقاومة الفلسطينية للأنشطة الصهيونية بالتحيز وبجهود جبارة لتقويض المطالب الفلسطينية، وقد أدت هذه السياسات الاستعمارية إلى النكبة المستمرة حتى يومنا هذا.
وفي شباط الماضي، وبينما شارك مسؤولون فلسطينيون في قمة العقبة التي عقدت في الأردن بضغط أمريكي ووعد بالدفع لاستئناف المفاوضات السياسية.
بعيد انعقاد القمة، هاجم مستوطنون إسرائيليون قرية حوارة وأحرقوا منازل وسيارات تحت حماية جنود إسرائيليين فيما أجرى المراقبون المحليون والدوليون مقارنات مباشرة مع النكبة.
لا يمكن فهم التصعيد في حوارة إلا من خلال الإشارة إلى الأيديولوجية الصهيونية التي تضفي الشرعية على نزع ملكية الفلسطينيين وإبعادهم.
بعد الهجوم، قال سموتريتش إنه يجب “محو” حوارة، مسترجعاً صدى أقوال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحاق رابين، الذي تمنى علانية أن “تغرق غزة في البحر”.
وسعى العديد من السياسيين الإسرائيليين الآخرين إلى إنكار وجود الفلسطينيين و / أو تبرير طردهم بأثر رجعي.
تسربت مثل هذه الدعوات إلى الوعي الدولي الأوسع وأعيد إنتاجها الآن، سواء عن قصد أو عن غير قصد، من قبل المسؤولين الدوليين ومن بينهم رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين التي تغنت بالزعم أن إسرائيل جعلت “الصحراء تزدهر”.
في سعينا لفهم القتل غير المبرر لأبي عاقلة والفلسطينيين، نحن ملزمون بالرجوع إلى الأيديولوجية الصهيونية، وبشكل أكثر تحديدًا تبريراتها المختلفة للسجن والسيطرة والقتل بموافقة الدولة في نهاية المطاف.
ولا يمكن إحقاق الحقوق الفلسطينية إلا إذا تم الضغط على إسرائيل للامتثال للقانون الدولي.
تواصل عائلة أبو عاقلة وأصدقائها السعي إلى محاسبة إسرائيل، لكن هذا لا يعني السعي لتحقيق العدالة، لأن من الوهم أن نتوقعها من المستعمر.
إن أكاذيب إسرائيل وخداعها لا تدفعنا إلى الاعتقاد بأنها ستحقق العدالة، لكننا نضغط على أمل إجبار الدولة على الاعتراف بأن أيديولوجيتها العسكرية وغير الإنسانية مسؤولة بشكل مباشر عن مقتل عدد لا يحصى من الفلسطينيين.
للأسف، لا أتوقع أي تقدم في قضية أبو عاقلة أو أي فلسطيني آخر من ضحايا العدوان الإسرائيلي طالما استمر المجتمع الدولي في تجاهل الرواية الفلسطينية وغض الطرف عن الانتهاكات اليومية لحقوق الإنسان.
لا يمكن إعمال الحقوق الفلسطينية إلا إذا تعرضت إسرائيل لضغوط للامتثال للقانون الدولي، إما إذا استمرت بلايين الدولارات من المساعدات العسكرية وتواصل الدعم السياسي العميق الذي تتلقاه من الولايات المتحدة، فلن يكون هناك حافز كبير لإسرائيل لتغيير أساليبها.
للإطلاع على المادة الأصلية من (هنا)