بقلم ديفيد هيرست
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
أصاب أداء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية المعارضة بالصدمة، واحتاجت إلى أربعة أيام للتعافي من حالة الفوضى والتخبط التي حلت بمرشحها الرئاسي.
وظهر كمال كيليتشدار أوغلو في شريط فيديو غاضباً وهو يضرب الطاولة بيده صارخاً “أنا هنا”، ليظهر كمرشح مختلف تمامًا عما كان عليه في الجولة الأولى.
وسائل إعلام تركية: أصوات من داخل حزب الشعب الجمهوري تطالب كليجدار أوغلو بالقبول بنتائج الانتخابات والاعتراف بفشله وتقديم استقالته، كما تطالبه بالاتصال بأردوغان ومباركته على فوزه، تلك الدعوات هي وراء تسجيل فيديو أمس ظهر فيه غاضبا وهو يصرخ (أنا هنا)#الانتخابات_التركية2023 pic.twitter.com/AMIwMxFgUL
— Ahmet Aydın (@AhmadSarhel) May 16, 2023
لقد انتهت شخصية المرشح الودود الذي من شأنه أن يقود تركيا إلى عصر ما بعد الاستبداد واختفى “إيموجي” القلب الذي كان يصنعه بيديه حين يتحدث للجمهور.
بدا مرشح المعارضة اليوم قوميًا رخيصًا يحاول شق طريقه إلى السلطة على ظهر الشريحة الأكثر ضعفاً في بلاده والمكونة من 3.6 مليون لاجئ سوري في تركيا، ليس أولئك فقط، بل أيضًا “10 ملايين لاجئ إضافي” سوف يجلبهم أردوغان إلى البلاد إذا أعيد انتخابه على حد زعمه.
يبدو التخويف عنواناً رئيسياً في حملة كيليتشدار أوغلو المقبلة، فقد قال أحد مسؤولي المعارضة “سوف نذكر الجميع بما ستكون عليه السنوات الخمس المقبلة إذا أعيد انتخاب أردوغان”.
حتى ملصقات الحملة الدعائية للمعارضة على اللوحات الإعلانية حملت عبارة “السوريون سيذهبون! قرروا!”.
تستضيف تركيا أكبر عدد من اللاجئين في جميع أنحاء العالم، حيث يبلغ عددهم 3.6 مليون سوري وما يقرب من 320 ألفاً من جنسيات أخرى.
إن تخفيف حدة الخطاب تجاه السوريين في تركيا هو المهمة الأولى لأي رئيس مستقبلي في ظل ارتفاع وتيرة العداء لهم بين الأتراك.
حملة الخوف
وبحلول أواخر العام الماضي، عاد حوالي 530 ألف سوري من تركيا إلى بلدهم رغم عدم وجود مكان لهم هناك يعودون إليه خاصة في إدلب.
لكن خطاب كيليتشدار أوغلو المعادي لسوريا كان أسوأ من الحال في إدلب، حيث يمكن أن يؤدي أي انسحاب للقوات التركية أو تغيير أنقرة في الموقف إلى تدفق اللاجئين إلى الحدود.
لقد وعد أردوغان أيضًا بإعادة السوريين، لكنه امتنع بشكل ملحوظ عن وضع جدول زمني لذلك.
كما أن حملة الخوف التي يشنها كيليتشدار أوغلو ليست مجرد كلام، حيث يبدو أن إلقاء اللوم على الضحايا في الكارثة التي أوجدتهم هو سمة من سمات المنطق القومي.
فقد قرر مجلس بلدية مدينة تيكيرداغ الذي يسيطر عليه حزب الشعب الجمهوري مؤخرًا طرد الناجين من ضحايا الزلزال من الفنادق وهم الجهة الأكثر تضرراً من بين سكان كهرمان مرعش وهاتاي اللاتي صوتت بأغلبية ساحقة لصالح حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان.
مثل هذه القرارات تكذب “الشمولية” المزعومة لـ كيليتشدار أوغلو، والذي بات في حملته الآن لا يحاول حتى التستر على هذا القبح القومي.
ومع ذلك، فإن قرار كيليتشدار أوغلو بتحويل ترشيحه كرئيس لتحالف قوس قزح إلى حزب شرير لم يخل من عواقبه على المعارضة نفسها.
أولاً، لم يعد بإمكان كيليتشدار أوغلو أن يطلق على نفسه اسم ليبرالي لديه أجندة ديمقراطية لإعادة السلطة إلى البرلمان وحقوق الإنسان إلى البلاد، ولم تعد حملته قائمة على حقوق الإنسان، بل على لوم الأضعف والأكثر فقراً.
ثانيًا: إن استدعاء العنصر القومي التركي في حملته مع الحفاظ في الوقت نفسه على تحالف مع حزب الشعوب الديمقراطي ومحاولة الحصول على المزيد من الأصوات الكردية، يعد تناقضاً لا يغفل عنه معظم الأكراد.
ثالثًا: ضرب قبضته على الطاولة غير مقنع، فلا أحد في تركيا يصدقه عندما يلعب دور الرجل القوي.
إقبال كبير للناخبين
لماذا يخلص فريق محترم من علماء السياسة ومنظمي استطلاعات الرأي، قبل شهرين فقط، إلى أن 51.5% سيصوتون ضد أردوغان و37.6% سيصوتون لصالحه؟ بل إنهم قالوا: “يكاد يكون من المستحيل على أردوغان أن يفوز بالجولة الأولى”.
صدق كيليتشدار أوغلو مثل هذه الأحكام، وكذلك فعلت معظم وسائل الإعلام الغربية، لكنهم كانوا مخطئين جداً.
حصلت تركيا على ثاني أعلى نسبة إقبال على التصويت في العالم، ولم تكن الجولة الأولى لهذا الشهر استثناءً، مع ما يقرب من 90%.
قارن هذا بالانتخابات المهمة في البلدان التي تصف أردوغان بالاستبداد، ستجد أن الإقبال في تركيا يقزّم نظيره في المملكة المتحدة والولايات المتحدة.
لقد أصبح عدم الاعتراف بقوة الديمقراطية في تركيا لأنها تؤدي إلى نتيجة “خاطئة” بينما يغض الطرف عن الانتخابات الزائفة في مصر وتونس التي قاطعها الناخبون من اختصاص المفكرين الليبراليين الغربيين.
لكن هذا هو أحد الأسباب التي تجعلهم يخطئون في فهم الشرق الأوسط مرارًا وتكرارًا.
تشكيل الأمة الحديثة
هناك أمثلة أخرى، فعندما تحركت الدبابات على جسر البوسفور الشهير في اسطنبول في 15 تموز/ يوليو 2016، دعا أردوغان، الذي كان يقضي عطلة في جنوب تركيا الجميع إلى الشوارع، وقد استجابوا له وتم إنشاء مقاومة وطنية بسرعة.
لماذا؟ لأن الأتراك من جميع الأطراف لا يريدون أن ينزع اختيارهم من أيديهم.
إذا كان هناك أي أحد بنى تركيا بما فيها البنية التحتية الحديثة والمستشفيات والجامعات المزدهرة فهو أردوغان، إنه يتفوق على الخصم أولاً وقبل كل شيء لأنه يعتبر اختيار الوطنيين من أبناء تركيا.
وإذا كان هناك أي شخص مسؤول عن إخفاقات النظام الرئاسي الذي بناه فهو أيضاً إرث أردوغان.
في الخير والشر، شكل هذا الرجل الأمة الحديثة، والمفارقة هي أن أردوغان مع دخوله الجولة الثانية والأخيرة من الانتخابات ربما يكون الآن في موقف سياسي أقوى من أي وقت مضى منذ أن خسر التصويت في أكبر مدن تركيا: اسطنبول وأنقرة.
لقد تودد كيليتشدار أوغلو إلى المرشح القومي المتطرف سنان أوغان الذي جاء في المركز الثالث في الجولة الأولى، إلا أنه أعلن يوم الاثنين تأييده لأردوغان، دون أن يضطر الرئيس للذهاب إليه، أو تقديم أي التزامات له.
السلطة الأخلاقية
في جولة الانتخابات الأولى، استولى أردوغان وتحالفه على البرلمان بالفعل، ومنحه سلطة معنوية للجولة الثانية وهذا يترك الطريق مفتوحًا له لولاية ثالثة كرئيس لأن الأتراك يفضلون التجانس بين الرئاسة والبرلمان.
والحقيقة هي أن أردوغان هو الزعيم الأكثر نجاحًا واستقلالية في الشرق الأوسط، ولم يعد بإمكان الغرب إرسال الجيوش والزوارق الحربية لتصحيح ذلك.