بقلم جيمس براون سيل
ترجمة وتحرير مريم الحمد
لا تتجاوز خطة حكومة المحافظين البريطانية لمنع المجالس المحلية والهيئات العامة العامة من المشاركة في حملات المقاطعة وسحب الاستثمارات BDS كونها هجوماً على الأعراف الديمقراطية، وهي أجندة مستوردة في جوهرها من اليمين الاقصائي في الولايات المتحدة، فهو ليس فقط هجوماً على حرية التعبير، بل هو تضييق للفضاء الديمقراطي ومحاولة لإسكات المعارضة وتثبيت رواية الحكومة بصفتها الرواية الوحيدة المقبولة، وفي هذه الحال، فإن رواية الحكومة البريطانية عن إسرائيل هي رواية “الصديقة الجيدة”!
وفي الوقت نفسه، يشكل فيه استمرار الاحتلال العسكري الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية ندبة في صميم الكرامة الإنسانية، فالانتهاكات اليومية لحقوق الإنسان الفلسطيني لا يمكن حصرها، بين قتل ومصادرة واعتقال إداري وهدم للمنازل وطرد العائلات الفلسطينية من أجل تثبيت إسرائيليين مكانهم، بالإضافة إلى حصار غزة المستمر منذ 17 عاماً، وتهويد النقب، كل هذا انتهاك لحقوق الإنسان، انتهاكات طويلة الأمد وهيكلية وغير مقبولة، ضمن نظام فصل عنصري لا يسمح بديمقراطية التعبير فضلاً عن التغيير!
الفصل العنصري
في ظل كل ذلك، كيف يمكن ممارسة حق الاحتجاج؟! كيف يمكن التأثير لإحداث تغيير؟! لو افترضنا أن أسرع الطرق مراسلة نائب يمثلك بالبرلمان، فأكثر من 80% من النواب من حزب المحافظين الذين ينتمون إلى لوبي “أصدقاء إسرائيل” داخل البرلمان!
ملامح المنع مقلقة بالفعل، لكنها كشفت بوضوح عن أولويات حكومة المحافظين
يمكن رؤية تقلص مساحة الاحتجاجات بشكلها التقليدي في الشوارع كل أسبوع، بالإضافة إلى تجريم أي احتجاج مباشر خاصة الإضراب، فما هو إذن التكتيك المنتظر من حملة BDS التي لها تاريخ ناجح في العمل؟ فهي حركة شعبية يقودها فلسطينيون تحث على العمل للضغط على إسرائيل حتى تمتثل للقانون الدولي، وتعمل بطريقة سلمية، ولذلك استطاعت توحيد النقابات والكنائس والمجتمعات المدنية والجماعات الأكاديمية حول العالم.
أما إسرائيل، فتعتبر استهداف “الدولة اليهودية” معادٍ للسامية، وتدعي أن BDS تحاول “نزع الشرعية” عنها من خلال المساواة مع نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، صحيح أن مصر ودبي دولتان بوليسيتان، ولكنهما لا يصفان نفسيهما بأنهما “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”، كما أنهم لم يسجنوا سكان البلد الأصليين بالكامل، ولم يفرضوا نظاماً عسكرياً للقمع وسرقة الموارد ومنع اللاجئين من العودة.
المقاطعة
المقاطعة هي فك الارتباط بالاقتصاد الإسرائيلي ومؤسسات إسرائيل الثقافية والأكاديمية والرياضية، بالإضافة إلى سحب الدعم من الشركات متعددة الجنسيات التي تدعم الاحتلال بوجود مصانع لها في الأراضي المحتلة، ولذلك تركز BDS على سحب الاستثمار من المؤسسات المالية والشركات الإسرائيلية، وفي نفس الوقت دعوة الحكومات للالتزام بالقانون الدولي وحظر الشراكات التجارية والثقافية والعسكرية مع الاحتلال.
لو لم تكن الحركة ناجحة لما استلزم الأمر الحاجة إلى إنشاء تشريع ضدها، ففي عام 2021،مثلاً، صوت مجلس مدينة لانكستر لدعم حركة المقاطعة وحث صندوق معاشات مجلس المحافظة على سحب 8 ملايين دولار من دعم المستوطنات غير الشرعية في الضفة الغربية، فيما وجهت تهم التمييز ومعاداة السامية لكل من مجلس مدينة ليستر ومجلس مدينة سوانسي ومجلس جوينيد، من قبل منظمة هيومن رايتس ووتش اليهودية الخيرية (JHRW)، بعد فرضهم للمقاطعة على البضائع الإسرائيلية، حتى رفضت المحكمة العليا جميع الدعاوى.
ما هو الخيط المشترك بين كل مشاريع القوانين هذه؟! الهدف واحد، وهو خنق أي شكل من أشكال التحدي للحكومة البريطانية، أو أي جهد لمحاسبتها
وفقاً لصحيفة الفايننشال تايمز، فإنه من المتوقع أن تُطرح خطط الحكومة البريطانية لمنع الهيئات العامة في المملكة المتحدة من مقاطعة إسرائيل قريباً في البرلمان ، وبموجبه سوف يتم منع المجالس المحلية ، أو أي هيئة عامة أخرى ، من اتخاذ أي قرارات مقاطعة “لا تتماشى مع سياسات التجارة الخارجية أو الاقتصادية لحكومة المملكة المتحدة”، بحسب ما نقل ائتلاف Right to Boycott المكون من 60 نقابة ومنظمات غير حكومية.
ملامح المنع مقلقة بالفعل، لكنها كشفت بوضوح عن أولويات حكومة المحافظين، مثلما كانت حكومة المحافظين السابقة مصممة على إخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بغض النظر عن نتائج ذلك أو آثاره، فإن تركيز المحافظين في الحكومة الحالية منصب على حماية الأغنياء وقوتهم، مقابل تسارع في وتيرة القمع الذي يستهدف البقية منا.
قمع الاحتجاجات
الواقع هو أن مشروع قانون مكافحة المقاطعة الجديد يسير على نهج قانون الجنسية والحدود غير الإنساني أصلاً، فهو يجرم طالبي اللجوء ويهدد بإرسالهم من حيث أتوا، كما تم تعديل قانون الشرطة ليعطي صلاحيات أوسع للشرطة في قمع الاحتجاجات، جاء ذلك بعد إصدار قانون “رجال شرطة التجسس” عام 2021، والذي منح الحصانة للضباط السريين بالإضافة إلى مشروع قانون العمليات الخارجية قبلها بعام، والذي كان تقنيناً فعلياً للتعذيب!
ما هو الخيط المشترك بين كل مشاريع القوانين هذه؟! الهدف واحد، وهو خنق أي شكل من أشكال التحدي للحكومة البريطانية، أو أي جهد لمحاسبتها، لذلك يجب معارضة قانون مناهضة المقاطعة هذا، ليس لأن حركة BDS تمثل استجابة عالمية حقيقية للتضامن مع المجتمع المدني الفلسطيني ودعوتها إلى إيقاف انتهاكات إسرائيل بحق الفلسطينيين فحسب، ولكن لأننا كبريطانيين لا يجب أن نسمح للحكومة بأن تقرر من أو ماذا نختار كهدف للاحتجاج من عدمه!
الحق في الاحتجاج حق أساسي يجب على كل فرد أن يقرره، من حق الآخر أن لا يوافق على سبب ما للاحتجاج، ولكن لا يجوز أخذ هذا الحق من أي شخص كان، يجب مقاطعة إسرائيل حتى تنهي الاحتلال ونظام الفصل العنصري وتبدأ بالتصرف كدولة تحترم حقوق الإنسان، ولذلك سوف نحارب أي تشريع يمكن أن يمنعنا من ذلك.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)