بعد انتخاب رجب طيب أردوغان لولاية رئاسية ثالثة يوم الأحد وسط أجواء من الاحتفالات التي عمت البلاد، يستعد الرئيس التركي لبذل المزيد من أجل مواجهة التحديات السائدة كمعالجة الأزمة الاقتصادية، وإيجاد حلول لأزمة اللاجئين، وتأمين الفوز في الانتخابات البلدية المقبلة في غضون 10 أشهر.
هذا على الجبهة الداخلية فقط، أما بالنسبة للسياسة الخارجية، فإن حلفاء تركيا الغربيين يحثون أردوغان على التصديق على عضوية السويد في الناتو قبل قمة فيلنيوس في 11تموز/ يوليو، وهي قضية مرتبطة بحاجة تركيا إلى طائرات حربية من طراز F-16.
خيارات اقتصادية صعبة
في الأسبوع الماضي، أعلن البنك المركزي التركي عن الصافي السلبي من احتياطيات النقد الأجنبي للمرة الأولى منذ عام 2002، مع رصيد قدره 151.3 مليون دولار دخل الخط الأحمر اعتبارًا من 19 أيار/ مايو.
نجح أردوغان في تمويل سياسته النقدية غير التقليدية المتمثلة في الحفاظ على معدلات فائدة منخفضة من خلال الحصول على مقايضات العملات وضخ مليارات الدولارات من حلفاء الخليج وروسيا، إلا أن هذه الموارد قد استنفدت.
يستخدم فريق أردوغان الاقتصادي أساليب الباب الخلفي، بشكل أساسي من خلال البنوك العامة، لتحقيق الاستقرار في الليرة التركية مقابل الدولار الأمريكي، والتي على الرغم من التضخم المتفشي، حافظت على سعر صرف ثابت مقابل الدولار، مما يصعّب منافسة المصدرين الأتراك لنظرائهم الدوليين.
ويطالب بعض المصدرين بتخفيض قيمة الليرة بنسبة 25 % مقابل الدولار لتعزيز قدرتهم التنافسية، لأن المنتجات التركية الآن مبالغ فيها وأغلى نسبيًا من تلك الموجودة في أماكن أخرى، ونتيجة لهذه الديناميكية، اتسع العجز التجاري التركي بنسبة 44 % في نيسان/ أبريل، ليصل إلى 8.85 مليار دولار مقارنة بـ 6.15 مليار دولار في العام السابق.
وبخلاف آمال أردوغان، انخفضت الصادرات بنسبة 17 %إلى 19.3 مليار دولار في ذات الشهر، إلا أن أردوغان قال مؤخراً، في بيان، إنه يهدف إلى تصميم إدارة مالية ذات سمعة دولية واستثمار واقتصاد صناعي موجه نحو التوظيف.
الانتخابات البلدية
سيكون الاختبار الانتخابي المهم الآخر لأردوغان هو الانتخابات البلدية المقرر إجراؤها في آذار/ مارس 2024
يعتبر أردوغان هذه الانتخابات حاسمة وتصويتًا على الثقة، وبناءً عليه دعا أنصاره إلى العمل على استعادة المدن الكبرى مثل اسطنبول وأنقرة وأنطاليا، التي خسرت أمام المعارضة في الانتخابات البلدية لعام 2019.
وفي حين أنها ستكون معركة شاقة، فقد يكون لأردوغان بعض المزايا إذا فشلت المعارضة في الحفاظ على وحدتها ودعم الناخبين الأكراد في المراكز الحضرية.
بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي حكم محكمة معلق على رئيس بلدية اسطنبول أكرم إمام أوغلو، وهو شخصية بارزة في حزب الشعب الجمهوري المعارض، إلى إبعاده عن السياسة لبضع سنوات، وهو قرار قد يؤيده أردوغان.
أزمة اللاجئين
أصبح وجود 3.7 مليون لاجئ سوري في تركيا قضية رئيسية، لا سيما من قبل المعارضة، حيث لا يزال العداء تجاه السوريين في تصاعد منذ العام 2020، عندما بدأ الناس يشعرون بالصعوبات الاقتصادية في تركيا، مما جعلهم ينقلبون على اللاجئين الذين واصلوا اللجوء إلى البلاد على مدار العقد الماضي.
وكان أردوغان قد صرح عدة مرات خلال الأسبوعين الماضيين بأنه لا يخطط لترحيل السوريين بشكل جماعي إلى سوريا، معتبراً ذلك عملاً “غير إنساني” و “غير إسلامي”. إلا أن السياسات المناهضة للاجئين اكتسبت دعمًا كبيرًا، مما أجبر أردوغان على التحالف مع القومي المتطرف سنان أوغان، الذي دعا إلى طرد السوريين خلال الانتخابات.
وجدد أردوغان في خطابه مساء الأحد التزامه بسياسة تقوم على العودة الطوعية، كما أشار إلى أن 600 ألف سوري قد عادوا بالفعل إلى مناطق شمال سوريا الخاضعة لسيطرة المعارضة.
وأضاف الرئيس أنه من خلال التعاون مع قطر في مشروع جديد لإعادة توطين اللاجئين، تهدف تركيا إلى تسهيل عودة مليون سوري إضافي في السنوات المقبلة.
وفي حال استمر الوضع الاقتصادي في التدهور، فقد تتصاعد التوترات أكثر، حيث يعتقد أجزاء من المجتمع التركي أن السوريين يسرقون الوظائف ويساهمون في المشاكل الثقافية، مما يعزز العنصرية وكراهية الأجانب.
عضوية السويد في الناتو
خلال مقابلة أجراها هذا الشهر، أعرب أردوغان عن تردده في المصادقة على عضوية السويد في الناتو، وشكا من أن الدولة الاسكندنافية لا تفعل ما يكفي لمكافحة الإرهاب، مشيراً إلى إيوائها لشخصيات كردية مطلوبة.
غالبًا ما يتبنى أردوغان موقفًا متشددًا عندما تكون هناك فرصة لعقد صفقة، فعندما اقترح الكونجرس الأمريكي العضوية السويدية في تحالف الناتو كشرط لبيع طائرات مقاتلة من طراز F-16 إلى تركيا.
لم تكن إدارة أردوغان مولعة بهذا الاقتراح، حيث كان المسؤولون غير متأكدين مما إذا كان أعضاء مجلس الشيوخ مثل الديمقراطي بوب مينينديز سيحافظون على كلمتهم، أو مما إذا كان أعضاء الكونجرس الآخرون سيؤيدون هذا الشرط.
يشكل هذا الوضع منحدرًا زلقًا، لأن الكونجرس لن يصوت بالضرورة على شيء وعد به أردوغان.
وقال المسؤولون الأتراك إنهم ما زالوا يدعمون عضوية السويد، لكنهم يرغبون في رؤية ستوكهولم تتخذ إجراءات ضد وجود أعضاء مشتبه بهم في جماعة حزب العمال الكردستاني المسلحة.
المصالحة السورية
بذل أردوغان جهودًا لإصلاح العلاقات مع الرئيس السوري بشار الأسد بمساعدة روسيا، وتعتقد أنقرة أن إقامة علاقات مع دمشق أمر بالغ الأهمية بالنظر إلى الوجود العسكري التركي في شمال سوريا وحاجة الأسد إلى اعتراف دولي وطريق تجاري.
يسعى أردوغان إلى إقناع الأسد باتخاذ إجراءات ضد التنظيمات المسلحة الكردية السورية التي تعتبرها أنقرة جماعات إرهابية، وفي نهاية المطاف، يهدف إلى الوصول إلى اتفاق مع الأسد من شأنه تسهيل عودة اللاجئين ويؤدي إلى تغيير دستوري، يسمح بدمج المعارضة السورية في الدولة.
يُنظر إلى المصالحة على أنها ضرورية للسياسة الداخلية التركية، لأن ذلك من شأنه أن يساعد في تخفيف المشاعر المعادية لسوريا في المجتمع ويخلق ظروفًا مفيدة لتعايش أفضل.