تواجه وكالات الاستخبارات البريطانية دعوى قضائية جديدة حول احتمالية تواطؤها في تعذيب سعوديين في مواقع تابعة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) قبل نقلهما إلى سجن غوانتانامو.
و في قضايا قانونية منفصلة، اتهم مصطفى الحساوي وعبد الرحيم النشيري، وكالات المخابرات البريطانية بالتآمر مع مسؤولين أمريكيين في “برنامج الاعتقال السري والتعذيب والاستجواب” الذي أطلقته ال CIA في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر التي نفذها تنظيم القاعدة في الولايات المتحدة في عام 2001.
The UK govt has never really accounted for its role in the torture of detainees after 9/11. This may change after a judicial body ruled last week that it will examine a complaint brought by our client Mustafa al-Hawsawi.
Full article by @harryfoxdavies: https://t.co/HknrFfSXlz
— REDRESS (@REDRESSTrust) May 31, 2023
وقدم محاميان يمثلان المعتقلين شكاوى إلى محكمة سلطات التحقيق المختصة بالنظر في مزاعم ارتكاب أجهزة الأمن البريطانية للمخالفات.
ووافق القضاة الأسبوع الماضي بالإجماع على أن المحكمة ستنظر في شكوى الحساوي، رافضين ذرائع الحكومة البريطانية بعدم الاختصاص، واصفين القضية بأنها خطيرة جدا.
وقضت المحكمة بضرورة إثبات صحة المزاعم أو نفيها مع التوضيح من أجل الحفاظ على “ثقة الجمهور” .
كما دعا محامو النشيري المحكمة إلى النظر في شكواه التي اتهمت وكالات المملكة المتحدة بأنها “ساعدت، وحرضت، وشجعت، وسهلت و/أو تآمرت مع السلطات الأمريكية في إساءة معاملته”.
والهوساوي هو واحد من خمسة معتقلين في سجن غوانتانامو ممن تم اتهامهم بالتورط المزعوم في هجمات 11 سبتمبر للقاعدة في الولايات المتحدة عام 2001.
ويواجه المعتقلون أحكام الإعدام المحتملة في حالة إدانتهم، لكن أيا من القضايا لم تقدم للمحكمة بعد.
وتعود بعض أسباب ذلك إلى الدفوع القانونية التي ترفع قبل المحاكمة حول استجواب وتعذيب الرجال الخمسة في غوانتانامو والمواقع التابعة لـ CIA.
“أدلة موثوقة”
تم إلقاء القبض على الهوساوي في روالبندي، باكستان، في آذار/ مارس 2003 إلى جانب المتهم الرئيسي في أحداث 11 سبتمبر، خالد شيخ محمد، وتسليمه إلى الـ CIA قبل احتجازه في عدد من المواقع التابعة لها حيث تم استجوابه وتعذيبه.
ووفقًا لتقرير مجلس الشيوخ الأمريكي حول برنامج التعذيب الخاص بالـ CIA المطبق في أحد مراكز الاحتجاز في أفغانستان، فقد تعرض الهوساوي لفحوصات شرجية التي أجريت باستخدام “القوة المفرطة” عرضته لإصابات خطيرة ومشكلات صحية دائمة.
وأشار التقرير إلى أن الهوساوي كان من بين المعتقلين الذين خضعوا لأساليب استجواب إضافية على الرغم من الشكوك والأسئلة المحيطة بمعرفة الCIA بالمعلومات المتعلقة بالتهديدات الإرهابية وموقع القيادة العليا للقاعدة.
ولم تعترف السلطات الأمريكية باحتجاز الهوساوي إلا بعد نقله إلى سجن غوانتانامو في أيلول/سبتمبر 2006.
وجاء في شكوى الهوساوي أن هناك “أدلة موثوقة” تؤكد أن الوكالات البريطانية قدمت أسئلة أو معلومات إلى المسؤولين الأمريكيين الذين كانوا يستجوبونه، وتلقت معلومات تم الحصول عليها أثناء الاستجواب على الرغم من علمها بتعرضه للتعذيب.
وقد رحبت منظمة Redress التي تمثل الهوساوي، وهي منظمة دولية ترفع دعاوى قانونية نيابة عن ناجين من التعذيب، بحكم المحكمة.
وتعتقد المنظمة أن هذا هو أول تحقيق كامل تجريه المحكمة فيما يتعلق ببرنامج مواقع التعذيب التابعة لـ CIA والتي تعرف بالمواقع السوداء.
وقال كريس إسدايلي، المستشار القانوني في المنظمة: “تستحق الادعاءات الخطيرة بتواطؤ أجهزة المخابرات البريطانية بتعذيب الهوساوي تحقيقًا مناسبًا، ويسعدنا أن المحكمة رفضت بشدة محاولات حكومة المملكة المتحدة لمنع المحكمة من فعل ذلك.”
تصاعد الضغط
تم القبض على النشيري في الإمارات العربية المتحدة في أكتوبر 2002 واعتقل بسبب تورطه المزعوم في هجوم للقاعدة على السفينة الحربية الأمريكية يو إس إس كول، في عدن، اليمن، في عام 2000.
وبحسب تقرير مجلس الشيوخ، تعرض النشيري مراراً للتعذيب وسوء المعاملة على الرغم من تقييمات المحققين أنه كان مطيعاً ومتعاوناً.
وشمل ذلك إجباره على الوقوف في وضعية مجهدة مع تقييد يديه فوق رأسه لمدة يومين ونصف، وتعذيبه بوضع مسدس على رأسه وتشغيل مثقاب لاسلكي بالقرب من جسده وهو عارٍ ومغطى الرأس.
ويقول المحامون أن النشيري كان “ذو أهمية خاصة” للمخابرات البريطانية التي سمحت لطائرة خاصة بالسي آي إيه بالتزود بالوقود في مطار لوتن أثناء نقل النشيري من تايلاند إلى بولندا في كانون الأول/ ديسمبر 2002.
وقال محامي النشيري، هيو سوثي، في الوثائق المقدمة إلى المحكمة أن لديه استنتاجاً عميقاً بأن وكالات الاستخبارات البريطانية شاركت في تبادل المعلومات الاستخبارية حول موكله “وتواطأت في تعذيبه وسوء معاملته”.
وكانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قد قضت في وقت سابق بأن بولندا وليتوانيا ورومانيا انتهكت حقوق النشيري وأبو زبيدة، أحد كبار المشتبهين في القاعدة، من خلال السماح لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية بتعذيبهم في مواقع سوداء على أراضي تلك الدول.
وخلص تحقيق أجرته لجنة المخابرات والأمن في البرلمان البريطاني عام 2018 إلى أن وكالات المخابرات البريطانية، MI5 و MI6، كانتا على دراية في مرحلة مبكرة بأن نظيراتها الأمريكية كانت تعذب المحتجزين وتسيء معاملتهم.
وقال التحقيق إن الوكالات البريطانية تورطت في تسليم وتعذيب مئات المعتقلين، ومعظمهم في قضايا قدمت فيها معلومات تستخدم في الاستجوابات، واتهمت وزراء الحكومة بالتغاضي عن بواعث القلق حيال ذلك.
وذكر معظم بيغ، المعتقل البريطاني السابق في سجن غوانتانامو أن حكومة المملكة المتحدة تواجه ضغوطًا متزايدة للإفصاح عن مدى تورطها في برنامج الـ سي آي إيه للتعذيب والتسليم.
واستشهد بحكم أصدرته محكمة الاستئناف العام الماضي قضى أن بإمكان أبو زبيدة مقاضاة حكومة المملكة المتحدة بشأن مزاعم تمرير أسئلة من قبل وكالات المخابرات البريطانية إلى المحققين الأمريكيين.
قال بيغ، وهو الآن مدير كبير في منظمة “كيج” المناصرة للمتضررين من سياسات مكافحة الإرهاب:” دور بريطانيا في التعذيب لا جدال فيه، أعرف ذلك من تجربتي الخاصة”.
وأضاف:” لكنني أعلم أيضًا، بعد الانخراط شخصيًا في التحقيقات التي يقودها قضاة معينون من قبل الحكومة ولجان التحقيق البرلمانية وحتى شرطة العاصمة، أن الحكومة البريطانية ستجد طريقة لتجنب المساءلة بأي ثمن”.