لماذا خسر كيليتشدار أوغلو رئاسة تركيا؟

بقلم راغب صويلو

ترجمة وتحرير نجاح خاطر

عندما تم الإعلان عن كمال كيليتشدار أوغلو كمرشح المعارضة الرئيسي للرئاسة، وجدت نفسي معجبًا بالحشود التي تجمعت خارج مقر حزب السعادة الإسلامي.

لقد انضم الإسلاميون إلى القوميين الأتراك والليبراليين والكماليين لدعم رئيس حزب الشعب الجمهوري (CHP) رغم تنافس الفريقين الممتد لعقود.

علقت آمال كبيرة على المرشح البالغ من العمر 74 عامًا، والذي أظهر القدرة على توحيد الفصائل السياسية المختلفة في محاولة للإطاحة بالرئيس رجب طيب أردوغان، بعد أن حوّل حزبه من كيان مؤسسي تقليدي يمثل الكمالية القديمة إلى قوة ديمقراطية اجتماعية تحسب على يسار الوسط التقدمي.

ومع اقتراب موعد الاقتراع، بدا وكأن أردوغان منافسا ضعيفا تحت وطأة الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، والاتهامات بإخفاق في سجل حقوق الإنسان، وتأخر الاستجابة للزلازل المدمرة التي وقعت في شباط/ فبراير.

وبعد عقدين من الحكم بدا أردوغان ضعيفًا سياسيًا، على عكس أي وقت آخر منذ عام 2014، لكن كيليتشدار أوغلو لم يتمكن رغم ذلك من تحقيق النصر.

من السهل إلقاء اللوم على المرشح المهزوم وتحديد الأسباب الواضحة لفشله،، لكننا ما زلنا بحاجة إلى الخوض في سبب فشل المعارضة التركية في تحدي سياسي بدامنفصلا  عن الحقائق الاقتصادية والاجتماعية.

أقر بأن أردوغان تمتع ببعض المزايا الحالية واستخدم موارد الدولة لإغراء الناخبينب وشن حملة ربطت كيليتشدار أوغلو بالإرهابيين، لكن زعيم المعارضة ارتكب بعض الأخطاء الفادحة على طول الطريق.

حملة انتخابية فاشلة

أدار كيليتشدار أوغلو حملة غير فعالة فشلت في إقناع الناخبين بأنه البديل الأفضل لأردوغان.

وركز فريق حملته، الذي كان يقوده اثنان من صناع الإعلان، على استراتيجيات التسويق فقط وربما كان يقلل من أهمية المشاركة العامة.

وفيما قام ببث مقاطع فيديو ليلية على تويتر تنقل خططه للمستقبل، امتنع كيليتشدار أوغلو عن تقديم تعهدات جديدة في تجمعات الجماهير أثناء الحملة الانتخابية.

وبات من الواضح الآن أن  كيليتشدار أوغلو فشل في اختراق قلب الأناضول وأخفق في التواصل مع المحافظين الحضريين، واعتمد فقط على دعم وسائل التواصل الاجتماعي.

والغريب، أن تقريراً حديثاً كشف عن إعلان على موقع فيسبوك أن كيليتشدار أوغلو أنفق فقط عُشر ما أنفقته المجموعات المؤيدة لأردوغان على موقع التواصل الاجتماعي.

ولم تعبر أدوات حملة كيليتشدار أوغلو بشكل فعال عن سياساته،  مما ترك الناخبين غير متأكدين تماماً مما يريده كيليتشدار أوغلو غير الإطاحة بأردوغان.

ويمكن للمرء أن يجادل بأن كيليتشدار أوغلو دعا إلى العودة إلى النموذج السياسي البرلماني، لكن مثل هذه الرسالة السياسية فشلت في أن تلقى صدى لدى الناخبين.

لم يضع كيليتشدار أوغلو أيضًا الوضع الاقتصادي السيئ في البلاد كأحد أعمدة حملته، وأهمل مناقشة الكيفية التي خطط بها لتصحيح المشاكل الهيكلية.

بدلاً من ذلك، اختار الشعبوية، وقدم وعودًا مثالية مثل زيادة الأجور والمعاشات التقاعدية للعاملين في القطاع العام، وتعهد بإيصال الأتراك إلى أوروبا بدون تأشيرة في غضون ثلاثة أشهر، وتوظيف المزيد من المعلمين والفنيين والمهندسين للقرى، وحتى أنه وعد بكهرباء مجانية للمدن الزراعية.

وعندما سئل عن سياسته الاقتصادية، رفض إعطاء إجابات واضحة، مشيرًا إلى أنه قام بتجميع فريق كل النجوم من البيروقراطيين والمصرفيين والوزراء السابقين الذين سيصلحون كل شيء. 

ولكن من سيكون على رأس السلطة؟ هل سيكون نائب رئيس الوزراء السابق علي باباجان أو أستاذ الاقتصاد بيلج يلماز وهو الذي انتقد باباجان مرارًا وتكرارًا.

وفشل المسؤولون عن حملة كيليتشدار أوغلو في القيام بجولة في المنطقة لبناء موقف موحد حول الاقتصاد، ولم يشرحوا للجمهور أولوياتهم لمعالجة قضايا مثل البطالة والعجز التجاري والتضخم والجوع.

في النهاية، لم يستطع كيليتشدار أوغلو إقناع الناخبين بأنه سينفذ سياسة اقتصادية أفضل قادرة على تحقيق نتائج ملموسة.

ائتلاف منقسم

كما عمل تحالف طاولة الستة المنقسم ضد مرشحه كيليتشدار أوغلو.

فعندما غادرت ميرال أكشينار، زعيمة الحزب الجيد، التحالف لفترة وجيزة بسبب إحجامها عن دعم كيليتشدار أوغلو كمرشح مشترك، كان أردوغان مشغولاً بقيادة اجتماع رفيع المستوى مع الخبراء لمعالجة الكوارث المستقبلية مثل زلزال 6 شباط / فبراير.

ألقت هذه الحادثة بظلالها على معاناة الملايين من ضحايا الزلزال، فظهر أردوغان كزعيم مسؤول قلق بصدق بشأن القضايا الملحة، بينما كان زعماء المعارضة الستة يقاتلون بشراسة من أجل مكاسب سياسية.

وأثار وعد كيليتشدار أوغلو بتخصيص ثمانية مناصب لنواب الرئيس لقادة الأحزاب المختلفة ورؤساء البلديات الخوف بين العديد من الأتراك الذين تذكروا حكومات ائتلافية مماثلة في التسعينيات انهارت واحدة تلو الأخرى.

وعلاوة على ذلك، غابت لافتات وصور كيليتشدار أوغلو بشكل ملحوظ عن التجمعات التي نظمتها قوى المعارضة بما في ذلك عمدة اسطنبول أكرم إمام أوغلو.

وأخفقت الأحزاب السياسية  باستثناء حزب السعادة في عرض ملصقات كيليتشدار أوغلو على مبانيها أو تحميل صوره باعتباره المرشح المشترك بينها على حساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي.

لهذا السبب كان لأردوغان ميزة واضحة على المعارضة، وبات يمكنه أن ينتقدها لتقديمها وعودًا فارغة وانخراط قادتها في التنازع الداخلي. 

لكن سلاح أردوغان الأقوى كان التحالف غير الرسمي لكيليتشدار أوغلو مع حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد، الذي يشترك في العلاقات الأيديولوجية مع الجماعات المسلحة الكردية التي تصنفها الدولة على أنها إرهابية.

هاجم أردوغان بلا هوادة كيليتشدار أوغلو لتعاونه مع الإرهابيين، وقال أنه يتلقى الأوامر من جبل قنديل، حيث يقع مقر حزب العمال الكردستاني (PKK). 

ورد كيليتشدار أوغلو بتغريدة واحدة لكنها لم تكن كافية لمعالجة القضية بشكل حقيقي.

ورغم أنه الزعيم السياسي الوحيد  الذي تعرض لاعتداء جسدي من قبل حزب العمال الكردستاني في العام 2016، فقد فشل كيليتشدار أوغلو في مواجهة الانتقادات غير المنطقية بأنه كان يعمل لصالح الحزب.

وعلاوة على ذلك، أعلن كيليتشدار أوغلو عن نيته الإفراج عن الرئيس المشارك السابق لحزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرتاس في حين قام الأخير بالتغريد معرباً عن دعمه لكيليتشدار أوغلو.

ألقى حزب الشعوب الديمقراطي بثقله علانية خلف كيليتشدار أوغلو، الأمر الذي ثبت أنه أضر بمكانته بين القوميين الأتراك في غرب البلاد. 

كان تحالف كيليتشدار أوغلو مع حزب الشعوب الديمقراطي أو الأكراد قد عمل بشكل فعال في انتخابات رئاسة البلدية لعام 2019، حيث خسر أردوغان اسطنبول وأنقرة بسبب التعاون الصامت بين أحزاب المعارضة دون أي تأييد رسمي من حزب الشعوب الديمقراطي.

الفرصة الأخيرة

بالإضافة إلى ذلك، افتقر كيليتشدار أوغلو إلى استراتيجية فعالة في مواجهة حملة أردوغان، التي أعدت مقاطع فيديو إعلانية وشعارات جديدة وملصقات قبل وقت طويل.

الآن لدينا زعيم معارضة لا يفشل فقط في الاعتراف بانتصار أردوغان ولكنه أيضًا لا يعطي أي تلميح لعزمه الاستقالة بعد الهزيمة، وهي القاعدة المعمول بها في أي ديمقراطية.

انتظر كيليتشدار أوغلو أربعة أيام قبل أن يخرج من الظل بعد فشل الجولة الأولى، ولجأ إلى صورة الزعيم القومي المتطرف المعادي اللاجئين مستخدمًا تكتيكات التخويف لتعزيز فرصه.

لسوء الحظ، لم يبد هذا النهج مخادعًا من قبل كيليتشدار أوغلو فحسب، بل بدا أيضًا وكأنه محاولة أخيرة، واستراتيجية يائسة تم تنفيذها بشكل أخرق، وكان كافياً لإبعاد الناخبين الأكراد عنه بسبب تحالفه المفاجئ مع حزب قومي متطرف تركي.

وبناء عليه، لم تكن نتائج جولة الإعادة في 28 أيار / مايو مفاجأة للكثيرين.

لقد تلاشت الفرصة الأخيرة لتحقيق  تغيير ذي مغزى في الحكومة التركية من خلال تحالف واسع للمعارضة وهو ما كان يمكن أن يحسن الديمقراطية للجماهير ويعالج القضايا الاقتصادية طويلة الأجل.

يجادل البعض بأن كيليتشدار اوغلو يحتاج إلى البقاء كرئيس لحزب الشعب الجمهوري لحمل تحالفه في الانتخابات البلدية العام المقبل والحفاظ على المدن الكبرى من خلال تكتيكاته الموحدة.

ومع ذلك، فحتى ذلك الحين سيظل زعيم المعارضة “بطة عرجاء” قد فقد سحره.

للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة