بقلم جدعون ليفي
ترجمة وتحرير مريم الحمد
يتحدث الكاتب الإسرائيلي اليساري، جدعون ليفي، في هذا المقال عما يراه بما هو أشبه بشهادته على ما يقوم به المستوطنون اليمينيون في إسرائيل، من أجل طرد المزيد من الفلسطينيين وتهجيرهم، تمهيداً لنكبة ثانية على حد وصفه، فيقول:
مع حلول الليل في أحد ليالي أواخر مايو على أحد الأحياء المؤقتة الجديدة التي أوت إليها 37 عائلة بدوية من قبيلة الكعابنة بعد أن أصبحوا بلا مأوى بين عشية وضحاها، نام البعض تحت السماء، فيما احتشد آخرون في خيمتين نصبوهما على عجل على أرض استضافهم فيها فلسطينيون من قرية مجاورة.
الفلسطينيون يرون أن ما حصل في قرية “عين سامية” هو دليل قاطع على أن النكبة لم تنته، فإسرائيل تواصل استخدام نفس الأساليب
تركت تلك العائلات ممتلكاتها خلفها، ومع هجوم المستوطنين عليها بالقوة، لم يتمكنوا من العودة أبداً، فقد استولى المستوطنون على أثاثهم و ماشيتهم، وقد كانوا قبل ليلة من ذلك فقط، ينامون في قريتهم “عين سامية” على بعد كيلومترات قليلة من مأواهم المؤقت!
كانت قرية “عين سامية” موطنهم لأكثر من 4 عقود، حتى أُجبر 200 شخص من أهل القرية على مغادرتها ليلة 21 من مايو عام 2023، بعد هجمات المستوطنين العنيفة، هذا نموذج “الترحيل الصامت” بكل قبحه، فهو مخطط ممنهج يخدم رؤية المستوطنين لإخراج جميع الفلسطينيين من الضفة في نهاية المطاف، ولا شك أن نجاحهم في كل مرة سوف يشجعهم على الاستمرار بما هو أشبه بتطهير عرقي جزئي لمناطق وادي الأردن وجنوب الخليل.
أما الفلسطينيون، فيرون أن ما حصل في قرية “عين سامية” هو دليل قاطع على أن النكبة لم تنته، فإسرائيل تواصل استخدام نفس الأساليب، كما تم الكشف عن النية النهائية لدولة لليهود فقط، من نهر الأردن حتى البحر الأبيض المتوسط، ولا يمكن لأحد سوى المجتمع الدولي منع تكرار ما حصل في قرية “عين سامية”.
بعد أيام من إخلاء القرية، زرت القرية المهجورة بالإضافة إلى عائلات الكعابنة في مأواها المؤقت، ففي القرية سمعت رأيت 6 كلاب صغيرة ترقد في كومة خائفة عطشى، من الواضح أن والدتهم غادرتهم مع القرويين، كان منظراً يفطر القلب، لم يبق من القرية إلا بقايا قليلة من القرية الصحراوية.
تلفت فوجدت مستوطناً يرعى حيوانات في الحقول المهجورة، رائحة الغنم باقية، كل شيء كان على حاله، قطع الأثاث وتلفاز محطم وحتى سيارات متضررة، فيما تحول لون أحد الحقول إلى الأسود نتيجة إحراق المستوطنين، أما مدرسة القرية، فكانت لا تزال قائمة على قمة تل، وكانت التعليم قائماً فيها رغم تكسير النوافذ، ربما أنقذها لوحة تحمل أسماء المانحين الأوروبيين الذين ساهموا في إنشاء المدرسة!
الآن المستوطنون عازمون على منعهم من العودة، تماماً كما منع الجيش الإسرائيلي آخرين من العودة بعد عام 1948!
في اليوم الذي غادر فيه القرويون “عين سامية”، شمال شرق رام الله، كتب أحد المستوطنين المنفذين على الانترنت يقول “بشرى سارة! مخيمان بدويان قرب مستوطنة كوخاف هشهار يغادران المنطقة! بفضل الوجود اليهودي الكبير والرعاة اليهود، غادر البدو، مرحى! نتمنى أن يغادر كل البدو، هناك مراعٍ أفضل في السعودية، اذهبوا هناك”.
يقع المخيم المؤقت على بعد أمتار من القرية، وفي إحدى الخيام يجلس كبيرهم المسن محمد الكعابنة، وهو أب 8 أبناء و11 بنتاً، أفراد العائلة هم لاجئون وأبناء لاجئين انتقلوا من أرض النقب عام 1948 ثم أُجبروا على النزوح مرة أخرى عام 1967، انتقلوا إلى قرية أُقيمت عليها مستوطنة كوخاف هشهار فيما بعد، فانتقلوا إلى قرية “عين سامية”.
قبل أسابيع، أخطرتهم السلطات الإسرائيلية بإصدار أوامر هدم وتدمير المباني وحظائر المواشي، ثم بدأت المشاكل مع المستوطنين الذين بدأوا الرعي في حقول القرويين، من أجل ترويع الأهالي والاستيلاء على أراضيهم، فقد نقل سكان القرية عن تعرضهم للتهديد والضرب من قبل المستوطنين، فيما رفضت الجيش والشرطة التدخل.
في المقابل، تم اعتقال رجال القرية، بل واتهامهم بسرقة أغنام المستوطنين، لاحقاً في تلك الليلة، رشق المستوطنون الرعاة النائمين بالحجارة وأضرموا النار في حقولهم، فهجروا القرية في خلال 4 أيام بعد ترويعهم، والآن المستوطنون عازمون على منعهم من العودة، تماماً كما منع الجيش الإسرائيلي آخرين من العودة بعد عام 1948!
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)