بعد أكثر من 23 أسبوعًا من الاحتجاجات المناهضة للحكومة، يتصارع الإسرائيليون لتحديد طبيعة البلد الذي يعتبرونه وطناً لهم، أما فلسطينيو الداخل فلا ذكر لهم، كما يغيب أي ذكر لاحتلال الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة.
غالبًا ما يشير اليساريون الإسرائيليون إلى الاحتلال الذي دام 55 عامًا بتعبير “الفيل في الغرفة”، بسبب عدم رغبة القيادة السياسية في معالجة قضية الاحتلال التي تطرح أسئلة محرجة عن إسرائيل.
ربما لم يظهر ذلك واضحاً للعيان في أي وقت أكثر مما ظهر خلال الاحتجاجات التي نشأت بسبب معارضة إصلاحات الحكومة الإسرائيلية القضائية المثيرة للجدل.
وتغيب موجة عمليات القتل التي تشهدها المجتمعات العربية عن الحراك في الشارع الإسرائيلي، الأمر الذي يزيد من إبعاد المواطنين الفلسطينيين عن الاحتجاجات.
فبين كانون الثاني / يناير وحزيران / يونيو 2023، قُتل 102 فلسطينياً في مواقع متعددة في جميع أنحاء إسرائيل، بما في ذلك نساء وأطفال صغار، وبدت الشرطة الإسرائيلية عاجزة عن وضع حد لذلك أو، كما يتهمها الكثيرون، لا تملك الدافع الكافي لوقف الجريمة في المجتمعات العربية.
وبينما يسعى قادة الاحتجاج إلى تقديم المظاهرات على أنها ممثلة للمجتمع الإسرائيلي العام، لا يُسمح للمواطنين الفلسطينيين بمخاطبة المحتجين، والأسوأ من ذلك، لا يُسمح لهم بالتحدث إلا إذا وافقوا على عدم ذكر الاحتلال.
قبل أسبوعين، رأينا ذلك عندما قرر منظمو الاحتجاج إحياء ذكرى ما يعرف في إسرائيل بـ “تحرير القدس وتوحيد المدينة”، أي احتلال الأحياء الشرقية للمدينة عام 1967.
تمت دعوة المتظاهرين المحتجين على الإصلاحات القضائية لحضور حفل في ساحة حائط البراق في القدس الشرقية، الواقع على أسوار المسجد الأقصى، بمشاركة خريجي ورجال الاحتياط من وحدات المظليين التي احتلت البلدة القديمة في القدس قبل 55 عامًا.
وعلى الرغم من كل هذا، وجه قادة الاحتجاج توبيخاً علنياً للمواطنين الفلسطينيين بسبب عدم مشاركتهم في المظاهرات كل ليلة سبت، سواء كأفراد أو كمجموعات منظمة، في مفارقة التقطتها وسائل الإعلام باهتمام.
ومنذ سنوات خمس، يشارك داني دانيالي بنشاط في الاحتجاجات على تهم الفساد التي يواجهها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، قبل أن ينخرط لاحقاً في الاحتجاجات الحالية على إصلاحات نتنياهو القضائية.
ويعرف عن دانيالي، وهو صاحب شركة استشارية ومقيم في القدس أنه من بين عدد من النشطاء الإسرائيليين الذين يقفون في الاحتجاجات الداعمة للمزارعين الفلسطينيين والتي تنظم أسبوعياً في غور الأردن، في محاولة لحمايتهم من عنف المستوطنين اليهود الذين يريدون إبعادهم عن أراضيهم الرعوية.
ومساء كل سبت، يظهر دانيالي في ساحة هبيما في تل أبيب، حيث تبدأ الاحتجاجات، ويسير على طول شارع كابلان مع مجموعة من الأشخاص يمكن التعرف عليهم من خلال اللافتة التي يحملونها وقد كتب عليها: “انظروا في أعين الاحتلال”.
يعتقد دانيالي أن سبب اكتظاظ الاحتجاجات بالأعلام الإسرائيلية، بينما لا يُسمح برفع الأعلام الفلسطينية، يكمن في رغبة المنظمين في إبراز السيادة الإسرائيلية بغية جذب أكبر عدد ممكن من الجمهور الإسرائيلي الذي يقول دانيالي عنه أنه “لا يحب أن يسمع عن الفلسطينيين والاحتلال وكل ما يتعلق بهم”.
وأضاف:” هذا موقف راسخ إلى حد كبير في الأيديولوجية الصهيونية، ولا يوجد مكان للإشارة إلى قضية الاحتلال، لأن الهدف الرئيسي هو اجتذاب الجمهور بمن فيهم اليمينيون الأقل تعصباً، والذين لا يعتبرون وجود الإسرائيليين في الضفة الغربية احتلالًا”.
“لا توجد طريقة لدمقرطة إسرائيل دون مشاركة السكان العرب ودون الحديث عن الفصل العنصري”. أورلي نوي، كاتب إسرائيلي
وعلى الرغم من أن عددًا قليلاً من المواطنين الفلسطينيين نشروا مقالات رأي في وسائل الإعلام الإسرائيلية، وخاصة في “هآرتس”، في محاولة لشرح موقفهم، إلا أن تأثير هذه المقالات كان ضئيلاً أيضاً.
ولا يرى أورلي نوي، الكاتب والعضو في حزب التجمع الذي يمثل المواطنين الفلسطينيين، في الحركة الاحتجاجية حدثاً يمكن أن يقدم إجاباتٍ للصعوبات التي يواجهها الفلسطينيون والإسرائيليون.
ويقول إن منظمي الاحتجاجات بدأوا التخطيط لإقامتها في المناطق ذات الأغلبية الفلسطينية في إسرائيل بعد ملاحظة غياب المواطنين الفلسطينيين، دون أن يتم تحويل تلك الخطط إلى واقع فعلي بشكلٍ كافٍ السبت الماضي.
وبحسب نوي، “عندما حاولت مجموعة من الإسرائيليين اليهود المناهضين للاحتلال جلب الفلسطينيين إلى شارع كابلان في تل أبيب للمشاركة في مسيرة ضد الإصلاحات القضائية، رفض قادة الاحتجاج السماح بذلك.
يقول نوي:” لقد سرنا ببساطة ونحن نرفع الأعلام الفلسطينية ونردد الشعارات باللغتين العربية والعبرية ولم يوقفنا أحد، لقد فعلنا ذلك فعلاً”، لكن، وبالنسبة لنوى، فإن قادة الاحتجاج ببساطة يتجاهلون الاحتلال والفصل العنصري.
ومع ذلك، فإن تجاهل منظمي الاحتجاجات لقضايا الاحتلال والفصل العنصري لا يعتبر خطأ أخلاقيًا فحسب، بل إنه أيضًا يعد غباء من الناحية الاستراتيجية.
يوضح نوي المفارقة بالقول إن المنظمين “ربما ينجحون في تقديم أنفسهم تكتيكياً كوطنيين عظماء يرفضون العرب، وتساعدهم سيادة الأعلام الإسرائيلية في جذب جمهورٍ أكبر للاحتجاج، لكن في النهاية، على المستوى الاستراتيجي، لا توجد طريقة لدمقرطة إسرائيل دون مشاركة السكان العرب ودون الحديث عن الفصل العنصري في المناطق”.