بقلم: ريتشارد بردن
ترجمة وتحرير: نجاح خاطر
يوم الإثنين 19 حزيران / يونيو، نشرت حكومة المملكة المتحدة مشروع قانون سيجعل بريطانيا، في حال إقراره، تتخلى عن احترامها للقوانين الدولية التي تحظر الاستيلاء على الأراضي عن طريق الغزو، وسيتجاهل مبادئ الأمم المتحدة التي وقعت عليها المملكة المتحدة منذ أكثر من عقد من الزمن والتي تدعو الشركات إلى ضمان دعم تعاملاتها التجارية الخارجية لحقوق الإنسان.
كما أن مشروع قانون النشاط الاقتصادي للهيئات العامة (المسائل الخارجية) سيحمي بشكل استثنائي انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها إسرائيل رقابة الهيئات العامة في المملكة المتحدة، ويمنحها حصانة مفتوحة من العقاب بما لا ينطبق على أي دولة أخرى في العالم.
يتمثل الغرض المعلن من مشروع القانون، الذي يعتزم مجلس العموم مناقشته خلال الأسبوع الأول من تموز / يوليو، في “منع الهيئات العامة من التأثر بالرفض السياسي أو الأخلاقي للدول الأجنبية عند اتخاذ قرارات اقتصادية معينة”.
وهذا يعني أن السلطات المحلية المنتخبة والهيئات العامة الأخرى (مثل الجامعات وصناديق المعاشات التقاعدية) ستضطر إلى تجاهل المسائل الأخلاقية عند اتخاذ قرار بشأن الاستثمار أو شراء الخدمات من الشركات التي تتواطأ في تعاملاتها التجارية الخارجية مع انتهاكات حقوق الإنسان.
بعبارة أخرى، سيحمي هذا القانون الشركات العاملة في شرق أوكرانيا المحتل من قبل روسيا أو ماينمار من التدقيق، وسيحصن الشركات التي تعمل مع السلطات الصينية المتورطة في اضطهاد مسلمي الأويغور، ولا مانع، وفقاً للقانون، من إجراء التعاملات التجارية مع الشركات المتورطة في بيع الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية، ولا قلق بشأن استيراد البضائع من المستوطنات غير الشرعية في الضفة الغربية.
توضح كل من المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة وخطة العمل لتنفيذها والتي نشرتها حكومة المملكة المتحدة نفسها أن الشركات تتحمل مسؤولية العمل على دعم حقوق الإنسان ومراقبة سجلات أولئك الذين يتعاملون معهم تجارياً، ولا تقبل هذه المواثيق من الشركات التعامل مع هذه القضايا بنظرة سطحية.
إفلات إسرائيل من العقاب
يبدو أن حكومة المملكة المتحدة تعرضت لموجة من الانتقادات عندما أعلنت عن خططها منذ أكثر من عام، وهي تعلن الآن إنه لا ينبغي أن يثير مشروع القانون الجديد المخاوف تجاه الإجراءات الأخلاقية للاستثمار الواجب اتخاذها من قبل الهيئات العامة في المملكة المتحدة ضد الانتهاكات الحقيقية لحقوق الإنسان في الخارج.
وتكمن “الضمانة” الوحيدة في أحد بنود مشروع القانون حيث أن من شأن هذا البند أن يمكّن الوزراء من إعفاء دول بعينها من المحظورات العامة الواردة في القانون، ويمكن أن يصدر مثل هذا الإعفاء فيما يتعلق بأوكرانيا.
ولكن لماذا يجب أن يكون احترام حقوق الإنسان هو الاستثناء وليس القاعدة بالنسبة للهيئات العامة في المملكة المتحدة، لا سيما عندما تتطلب موافقة المملكة المتحدة على المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة أن تحافظ الشركات على هذه الحقوق بشكل طبيعي في قراراتها التجارية؟
وهل يعتقد الوزراء حقاً أنه يجب أن تمتلك الهيئات العامة في المملكة المتحدة معايير أقل للمسؤولية الاجتماعية للشركات من تلك المتوقعة من شركات القطاع الخاص؟
هناك بند في مشروع القانون يمنع الوزراء صراحة من إجراء أي استثناء فيما يتعلق بإسرائيل أو الأراضي الفلسطينية المحتلة أو مرتفعات الجولان، ولن يكون لأي وزير، لا الآن ولا في المستقبل، صلاحية لتغيير الحظر المفروض على قرارات الاستثمار الأخلاقية من قبل الهيئات العامة ذات الصلة بتلك الأراضي، مهما بلغت درجة خطورة حالة حقوق الإنسان.
إنه بند يمنح إسرائيل بشكل فريد حصانة مفتوحة من العقاب، ففي الوقت الذي يخرج فيه الآلاف من الإسرائيليين أنفسهم إلى الشوارع كل أسبوع احتجاجًا على التهديد الذي تشكله الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخ بلادهم على الديمقراطية، تحبس محاولة وزراء المملكة المتحدة استثناء إسرائيل من التدقيق الأنفاس.
وبالإضافة لذلك، فإن مشروع قانون الحكومة يتعارض مع قرارات الأمم المتحدة التي صوتت لها المملكة المتحدة نفسها والقانون الدولي ككل.
إذ يدعو قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2334، الصادر عام 2016 علانية الدول الأعضاء إلى التمييز في تعاملاتها بين إسرائيل نفسها وأنشطتها في الأراضي التي تحتلها، مثل المستوطنات غير القانونية في القدس الشرقية وبقية الضفة الغربية، وسيعاقب مشروع القانون السلطات العامة التي تحاول الامتثال لمسؤوليات المملكة المتحدة كعضو دائم في مجلس الأمن.
تهديد لحرية التعبير
يتجاهل مشروع القانون حقيقة أن هضبة الجولان قد ضمت رسميًا من قبل إسرائيل، وهي خطوة اعتبرتها الأمم المتحدة وحكومة بريطانيا غير قانونية حتى الآن.
ينطبق الحال نفسه على القدس الشرقية، حيث تعمل الحكومة الإسرائيلية الحالية قولاً وفعلاً على تحويل احتلال الضفة الغربية إلى ضم غير قانوني أيضًا، وهو أمر ستصدر محكمة العدل الدولية رأيًا بشأنه العام المقبل.
وسيمنع مشروع القانون في حال إقراره المملكة المتحدة أيضًا من التصرف بناءً على رأي المحكمة إذا وجدت أن الهيمنة الإسرائيلية المستمرة على الضفة الغربية وقطاع غزة تنتهك بالفعل القانون الدولي.
وإذا لم يكن كل هذا كافيًا، فإن مشروع القانون يهدد حرية التعبير أيضًا، حيث سيحظر على أعضاء الهيئات العامة مناقشة الاعتبارات الأخلاقية للاستثمار فيما يتعلق بتعاملاتهم مع الدول الأجنبية.
في الحقيقة، يشير أحد التفسيرات لبنود القانون إلى أنه قد يصبح من غير القانوني لمواطني المملكة المتحدة أن يطلبوا من أعضاء هيئة عامة أخذ القضايا الأخلاقية في الاعتبار عند اتخاذ القرارات التجارية.
فاتورة خبيثة
وبالتالي، فإن مشروع القانون هذا خاطئ من عدة نواحٍ أهمها أن أي حزب سياسي يؤمن بدعم حقوق الإنسان وسيادة القانون الدولي دون خوف أو محاباة لا يملك إلا التصويت ضد هذا التشريع المروع، وهذه هي القضايا التي يجب أن يكون لها أهمية شخصية بالنسبة لستارمر كمحامٍ سابق في مجال حقوق الإنسان.
سيختلف الوزراء مع أعضاء البرلمان المحافظين حول دعم مشروع القانون، وربما يعني ذلك إحالة المشروع للتمرير عبر مجلس العموم، لكن دعونا نأمل أن يتبع بعض النواب المحافظين الذين يحترمون القانون الدولي ضمائرهم ويصوتوا بلا.
ويجب أن تشجع المعارضة العلنية لمشروع القانون من قبل اتحاد الطلاب اليهود ومجموعات أخرى المزيد من النواب على التصويت ضده، كما أن من الأهمية بمكان أن نضغط على نواب دائرتنا الانتخابية لمعارضة مشروع القانون عندما يتعلق الأمر بالبرلمان في مناقشة القراءة الثانية في غضون أسابيع قليلة.
وحتى لو تم تمرير مشروع القانون في مجلس العموم، فلن تكون هذه نهاية المطاف، فهناك الكثير من الفرص لأن مجلس اللوردات الأكثر استقلالية يعطي هذا القانون الخبيث وغير الضروري الوزن الذي يستحقه.
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)