مثل العديد من سكان قرية ترمسعيا، فإن أبناء عائلة عبد العزيز هم من الأمريكيين الفلسطينيين، الذين لم تنقطع صلاتهم بفلسطين رغم قضائهم وقتاً طويلاً وسعيداً وتجربة حياتهم الناجحة في شيكاغو.
في هذا الصيف، قررت ألفت عبد العزيز إرسال أطفالها إلى القرية التي نشأت فيها لقضاء ما كان يفترض أن يكون إجازة العمر قبل أن يتحول إلى كابوس.
فقد قالت أمل ابنة ألفت البالغة من العمر 20 عامًا، وهي طالبة صيدلة في شيكاغو، أنها كانت تؤدي واجباتها الدراسية بعد ظهر الأربعاء عندما سمعت ضوضاء عالية في الشارع خارج المنزل، فخرجت مع شقيقتها الكبرى نور إلى الشرفة لتفقد الأمر، فشاهدتا حشدًا من حوالي 50 مستوطنًا إسرائيليًا ينتقلون من منزل إلى آخر.
وتقول أمل أن من بين هؤلاء كثيرون كانوا يحملون أسلحة ويرتدون أقنعة سوداء ويهاجمون كل من يرونه ويعتدون بوحشية على رجل فلسطيني كان يعتني بحديقته.
رأى المستوطنون أمل فاتجهوا إلى منزلها لتركض بدورها مذعورة إلى الطابق السفلي مع شقيقتها طلباً للحماية، حيث تقول:” لقد اعتقدنا حقًا أن هذا كان آخر يوم لنا على الأرض، اعتقدت أنني لن أصل إلى عيد ميلادي العشرين الذي كان في اليوم التالي”.
أما نور شقيقة أمل المتزوجة حديثًا فراسلت زوجها وكتبت له بالنص:” إذا كانت هذه هي المرة الأخيرة التي أراك فيها فأنا أحبك وأتمنى أن أراك في الآخرة”.
وكإجراء حماية، اتصلت الفتاتان بالقنصلية الأمريكية في القدس في نداء استغاثة يائس لكنهما لم يتلقيا أي رد، فيما راح المستوطنون يضرمون النار في طابق المنزل العلوي الذي احتمت الفتاتان في قبوه.
قالت نور:” لولا بعض رجال القرية الشجعان الذين دخلوا البيت وتخلصوا من الأثاث المشتعل لكان المنزل بأكمله قد احترق”، ومع ذلك فقد ظهر الضرر جلياً في كل مكان في البيت.
وأوضحت ألفت عبد العزيز، التي تعمل مدرسًة في شيكاغو أن هجوم المستوطنين كان متعمدًا، مضيفةً أن “الجانب الأكثر رعباً يتمثل في أن المهاجمين كانوا في الأصل مواطني أمريكيين يفتخرون بكونهم أمريكيين إسرائيليين ، وكان من الممكن أن يكونوا جيرانًا في أمريكا”.
خلال العام الماضي، نقلت صحيفة هآرتس عن بيانات المكتب المركزي للإحصاء أن حوالي 40 في المائة من المهاجرين الذين انتقلوا إلى مستوطنات الضفة الغربية عام 2021 قدموا من الولايات المتحدة، ووفقًا لتقديرات عام 2016، فإن المواطنين الأمريكيين يشكلون حوالي 15 بالمائة من إجمالي عدد المستوطنين البالغ 450 ألفًا.
ويبلغ عدد سكان قرية ترمسعيا الواقعة على طول الطريق الرئيسي الذي يربط مدينتي رام الله ونابلس بالضفة الغربية حوالي 4000 نسمة، لكن حوالي 14 ألفاً من أهلها يعيشون في الخارج معظمهم في الولايات المتحدة.
وجاء هجوم الأربعاء بعد هجمات ليلية شنها مستوطنون في عدة بلدات بالضفة الغربية عقب مقتل أربعة مستوطنين إسرائيليين في إطلاق نار على محطة بنزين بالقرب من مستوطنة إيلي على بعد بضعة كيلومترات شمال ترمسعيا.
وقال رئيس بلدية ترمسعيا، لافي أديب، أن حوالي 400 مستوطن مسلح هاجموا القرية، حيث نجت عائلة عبد العزيز من الأذى الذي تعرض له كثيرون من السكان الآخرين.
وعندما بدأ المستوطنون من مستوطنة شيلو المجاورة لترمسعيا هجومهم على القرية، هرع عمر هشام جبارة لتحذير عمه رجا الذي قال أنهما قاما على الفور بإطلاق أبواق السيارة كإنذار لتحذير الأهالي، قبل أن يغادرا السيارة لمواجهة الغوغاء الهائجين، حيث يتذكر رجا أن عمر كان أمامه وأصيب مرتين في صدره.
وقال مواطن آخر أن عمر البالغ من العمر 27 عامًا، وهو متزوج وأب لطفلين صغيرين، قُتل أثناء محاولته إنقاذ آخرين، فحمل رجا ابن أخيه المحتضر مسافة 500 متر إلى سيارة إسعاف كانت تنتظر ولم تستطع الاقتراب بسبب هيجان المستوطنين، قبل أن يعود العم إلى سيارة الإسعاف حاملاً رجلاً آخر من بين 12 شخصًا أصيبوا في هجوم المستوطنين الذين أحرقوا 30 منزلاً ودمروا نحو 60 سيارة.
رسالة إلى بايدن
وعلى عكس الكثير من سكان القرية، فإن عمر جبارة لم يكن مواطناً أمريكياً أن زوجته وأطفاله يحملون جوازات سفر أمريكية، وفق ما أكد الأهالي.
وطار عبد الله شقيق عمر من منزله في تكساس للانضمام إلى عائلة أخيه في ترمسعيا ومشاركتها أحزانها، وقال:” نحن الأمريكيون الفلسطينيون ندفع الضرائب للحكومة الأمريكية كمواطنين مخلصين، السيد بايدن يساعد في تمويل إسرائيل بأموالنا وضرائبنا “.
وتابع عبد الله وهو يحمل ابن أخيه البالغ من العمر ثلاث سنوات، والذي يُدعى أيضًا عبد الله:” نحن نطلب المساعدة لجميع المواطنين الأمريكيين في فلسطين ولحقوق الإنسان الأساسية”، أما بالنسبة للحكومة الإسرائيلية، فقد طلب أن “يتركونا بسلام”.
وفي مؤتمر صحفي في واشنطن يوم الأربعاء، سُئل متحدث باسم وزارة الخارجية عن “الإجراءات الملموسة” التي تتخذها الحكومة الأمريكية لمنع المزيد من الهجمات على ترمسعيا، بالنظر إلى وجود مواطنين أمريكيين وممتلكات أمريكية واسعة النطاق في القرية.
ورد فيدانت باتيل قائلاً للصحفيين:” نواصل الانخراط في هذه القضية بشكل مباشر، ونتخذ خطوات من خلال الحوار وإثارة هذا الأمر مباشرة مع المسؤولين الإسرائيليين وكذلك المسؤولين في السلطة الفلسطينية “، وقد لاحظ الدبلوماسيون وجود عدد كبير من المواطنين الأمريكيين في ترمسعيا خلال زيارة للقرية يوم الجمعة.
من ناحيتها تساءلت ديان كورنر، القنصل العام البريطاني في القدس باستهجان:” كيف يمكن أن يحدث مثل هذا الهجوم الكبير في هذه البلدة الهادئة حيث العديد من السكان هم مواطنون أمريكيون وبالتأكيد ليس لديهم أي صلة بالإرهاب؟”.
أما عدي جبارة، ابن عم عمر، فكان قد عاد لتوه إلى ترمسعيا لحضور حفل زفاف صهره، الذي تحول إلى يوم من الرعب، حيث يروي عدي كيف حوصرت زوجته بدرية وابنته هيام البالغة من العمر 4 سنوات وأفراد آخرين من العائلة في منزل أضرم المستوطنون فيه النار ومنعوا سيارات الإطفاء من الوصول إليه.
وقال عدي إنه أُجبر على تسلق جدار طوله ثلاثة أمتار للوصول إليهم في منزل كان يختنق بالدخان، وأن المستوطنين رشقوه بالحجارة، مضيفاً:” لا أعرف كيف فعلت ذلك؟ لقد فقدت كل خوف في الأزمة”.
وأضاف عدي أن ابنته توسلت إليه كي يعيدها إلى كاليفورنيا، وأكد أنها الآن خائفة جدا من النوم في غرفتها الخاصة، ووجه رسالة إلى الحكومة الأمريكية قال فيها:” توقفوا عن الاستماع إلى مجموعات الضغط، انتبهوا إلى حقوق الإنسان الأساسية “.