ترجمة وتحرير مريم الحمد
تقع مكة المكرمة في منطقة الحجاز وهي ما تُعرف اليوم بالسعودية، وقد سبقت أهمية مكة كمركز ديني وثقافي ظهور الإسلام في الجزيرة العربية، فقبل ولادة النبي محمد في القرن السادس الميلادي، كانت مكة، وتحديداً الكعبة، موقعاً للحج بالنسبة للقبائل العربية، حيث كان في الكعبة أصنام تمثل آلهة كجزء من تقليد وثني.
عندما جاء النبي محمد عليه الصلاة والسلام بالإسلام، أكد على أن تلك الأصنام مخالفة لعقيدة التوحيد الأصلية التي أسسها إبراهيم عليه السلام، فقد أعاد ابراهيم بناء الكعبة بناء على عقيدة التوحيد بعد أن بناها آدم للمرة الأولى.
يذكر القرآن الكعبة في عدد من الآيات بوصفها أول بيت عبادة ومكان مقدس للمسلمين على الأرض، وتعد الكعبة علامة رمزية يصلي باتجاهها المسلمون إلى الله.
على بعد 20 متراً شرق الكعبة المشرفة، يقع بئر زمزم، في المكان الذي وجد فيه إبراهيم وزوجته هاجر وولده اسماعيل أنفسهم في وادي صحراء مكة القاحلة، ويرتبط اكتشاف زمزم بسعي هاجر بين الصفا والمروة ذهاباً وإياباً في محاولة للعثور على شربة ماء، حتى أمر الله بشق نبع زمزم من الأرض، ومن هنا جاء أحد طقوس الحج والعمرة المتمثل بالسعي بين تلال الصفا والمروة 7 مرات، ويعتبر المسلمون مياه زمزم مقدسة ويحملونها معهم إلى بلدانهم احتفاء بها.
كانت الكعبة تعتبر ملاذاً للقبائل المتحاربة في المنطقة قديماً، كانت مكاناً للسلام يتم فيه تنحية الخلافات القبلية جانباً، تقول إحدى الروايات الشهيرة عن حقبة ما قبل الإسلام، أنه في مرة وقع الاختيار على النبي محمد عليه الصلاة والسلام للتحكيم بين زعماء قبائل مكة في خلافهم حول من يجب أن يضع الحجر الأسود للكعبة في مكانه الصحيح بعد إصلاحات كانت قد تمت بهيكل الكعبة، فنصحهم النبي بوضع الحجر على قطعة قماش بحيث يقوم زعماء القبائل بحمله معاً لتقاسم شرف ذلك، وتأتي قدسية الحجر الأسود لدى المسلمين من كونه نزل إلى النبي إبراهيم، لذلك يحرص الحجاج على تقبيله خلال طوافهم حول الكعبة.
تم تجديد الكعبة والمسجد وإصلاحهما عدة مرات، إما بسبب الكوارث الطبيعية أو لاستيعاب أعداد الزوار المتزايدة للمسجد الحرام، فقد قام الحكام العباسيون بتوسيع فناء الكعبة في القرن السابع، وبعد أن هزم العثمانيون المماليك استولوا على الموقع عام 1517، أضافوا طابعهم إلى المكان المقدس، وفي عام 1571، كلف سليم الثاني المعماري سنان بإضافة ميزات وإدخال قباب صغيرة على الطراز العثماني لتزيين السقف المسطح لفناء المسجد.
ومع ظهور التصوير الفوتوغرافي في القرن 19، انتشرت صور الكعبة والمسجد الحرام، لكن قبل ذلك، لم تكن صور ذلك المكان المقدس شائعة في أوروبا، منذ القرن 15، بدأ المسافرون من أوروبا بزيارة شبه الجزيرة العربية للتجارة، وعلى الرغم من منعهم رسمياً من دخول مكة، إلا أن هناك روايات عن دخولها متنكرين بزي مسلمين أو مرافقة أصحابهم من المسلمين.
ظهرت إحدى أوائل الصور للكعبة في أوروبا في كتاب “الديانة المحمدية” للباحث الهولندي أدريان ريلاند، وفي ظل أعمال في غالبها تهدف إلى تشويه الإسلام آنذاك، فقد عمل ريلاند على تقديم نظرة عامة موضوعية عن الإسلام.
عام 1861، سافر المهندس بالجيش المصري، محمد صادق بك، إلى المدينة المقدسة بصفته أميناً لصندوق قافلة من الحجاج، فأخذ معه كاميرا وأدوات من أجل تحميضها وإخراجها، ففازت صور صادق لاحقاً بميدالية ذهبية في معرض البندقية الجغرافي عام 1881.
مع مرور الوقت، انتشر التصوير الفوتوغرافي، ويذكر أن رجلاً من مكة يُدعى السيد عبد الغفار، التقط أكثر من 250 صورة للمدينة بين عامي 1886 و 1889، كما عمل جنباً إلى جنب مع المصور الهولندي كريستيان سنوك هورخرونيه حيث تظاهر الأخير بالتحول إلى الإسلام من أجل دخول المدينة المقدسة، ومع تطور علاقته بعبد الغفار، أصبح هرخرونيه أكثر سيطرة على على صديقه المكي، بل ونسب البعض الفضل إليه في عمله، وتوجد اليوم عدد من صور عبد الغفار في مكتبة الكونغرس في واشنطن.
في التوسعة الأخيرة، أصبح الحرم المكي يستوعب حوالي 2.5 مليون شخص اليوم
ظلت مكة جزءاً من الامبراطورية العثمانية حتى عام 1916، عندما أعلن الحجاز الاستقلال بقيادة شريف مكة، حسين بن علي، لكن لم يدم حكمه طويلاً، فسرعان ما غزا عبد العزيز آل سعود المنطقة، واحتل مكة عام 1924، فوحد الحجاز في نهاية المطاف مع مناطق أخرى تحت سيطرته من شبه الجزيرة العربية، والتي أصبحت السعودية لاحقاً، وفي عام 1938، تم العثور على النفط، ومنذ ذلك الحين أصبح النفط مورد المملكة الرئيسي للدخل، وبذلك لم يعد النظام الملكي بحاجة إلى الاعتماد على الدخل الوارد من الحجاج.
مع مرور الوقت، تم استثمار عائدات النفط في الأماكن المقدسة في سلسلة من مشاريع التوسع، حيث بدأ السعوديون مشروع توسعة الحرم المكي عام 1955، وعندما تم الانتهاء من ذلك عام 1973، كان المسجد قادراً على استيعاب ما يصل إلى 500 ألف من الزوار والمصلين.
تزامنت هذه التطورات مع تسارع السفر الجوي في السبعينات، مما سهل الوصول إلى مكة والمدينة المنورة أكثر من أي وقت مضى، الأمر الذي أدى إلى زيادة الطلب على الحج، فما إن انتهت التوسعة الأولى حتى صار الحرم بحاجة إلى توسعة ثانية، فبدأت التوسعة الثانية في التسعينات على يد المهندس المعماري المصري، محمد كمال إسماعيل، الذي أحضر نوعاً من الرخام من جبال اليونان، ليظل الحجر الذي يمشي عليه الحجاج بارداً حتى في الجو الحار.
تشمل الإضافات الأخيرة للمسجد الحرام مجمع أبراج البيت، والتي يبلغ ارتفاعها أكثر من ألفي قدم، ويضم فندقاً ومركزاً للتسوق، وقد تم بناء المشروع في نفس الوقت الذي تم فيه التوسعة الأخيرة، بحيث أصبح الحرم المكي يستوعب حوالي 2.5 مليون شخص اليوم.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)