في الذكرى العاشرة للانقلاب في مصر، انقسم الخبراء والمحللون في تقدير ما إذا كانت الإطاحة بالرئيس محمد مرسي نتيجة حتمية أم أنه كان من الممكن تجنبها.
يوم 3 تموز – يوليو 2013، أطاح الجيش المصري بقيادة الجنرال عبد الفتاح السيسي بأول رئيس مصري منتخب ديمقراطياً من السلطة.
مثّل ذلك اليوم فاتحةً حملة تطهير ضد قادة الإسلاميين والإخوان المسلمين، تحولت إلى حملة قمع أوسع للمعارضة تستهدف الصحفيين ورجال الأعمال والمعارضين العلمانيين للحكومة التي يقودها الجيش.
يرى شاران غريوال، الزميل غير المقيم في معهد بروكينغز إن السبب الرئيسي لانهيار التحول الديمقراطي في مصر كان الجيش، مشيراً إلى أن نشاط العسكر المصري أثار مخاوف شعبية بشأن حكم مرسي المضطرب.
وأوضح جريوال:” مجرد وجود جيش مسيَّس زاد من صعوبة المفاوضات بين الحكومة والمعارضة، وبالنسبة للعلمانيين، فلماذا يعملون مع مرسي بينما يستطيعون العمل مع الجيش وطرده؟”.
وتابع:” الجيش الممكّن في مصر أنهى في نهاية المطاف الانتقال الديمقراطي”.
لكن ديفيد كيركباتريك، الصحفي في نيويوركر، والذي شغل منصب مدير مكتب صحيفة نيويورك تايمز في القاهرة إبان انقلاب 2013، لفت إلى أن الجيش كان يعاني من “الانقسام” بشأن كيفية التعامل مع حالة الاستياء من رئاسة مرسي.
الفزع واليأس
وقال إن حالة عدم اليقين وصلت في صفوف جبهة الإنقاذ الوطني المصرية، المعارضة العلمانية الموحدة لمرسي، في الأشهر التي سبقت الانقلاب حد “الفزع إن لم يكن اليأس” من أن الانقلاب قد لا يحدث على الإطلاق.
“إذا لم يحصل السيسي والجنرالات على الضوء الأخضر من الولايات المتحدة، فمن المؤكد أنهم حصلوا على ضوء أصفر”. – ديفيد كيركباتريك ، مجلة نيويوركر.
وقال: “منذ لحظة الإطاحة بمبارك وحتى الانقلاب، كانت هناك محاولات متكررة من قبل الجيش لتأكيد سلطته، لكنه كلن يتراجع مرارًا وتكرارًا”.
وأضاف كيركباتريك أن السيسي نفسه حصل على منصب وزير الدفاع القوي في عهد مرسي، ولم يكن يمانع تماماً الانتقال إلى الديمقراطية مادام يضمن منصبه وامتيازاته.
وقال كيركباتريك إن تردد السيسي في تنفيذ الانقلاب حتى بعد أن عزز موقعه داخل صفوف الجيش يسلط الضوء على تأثير الجهات الخارجية، متسائلًا ” لو لم يقدم الخليج مبلغًا هائلاً من المال، هل كان السيسي سينفذ انقلابًا؟ لدي بعض الشكوك حول ذلك”.
“رسائل أمريكية متضاربة”
كما أرسلت الولايات المتحدة رسائل متضاربة في الفترة التي سبقت الانقلاب، حيث اعتبر قرار إدارة أوباما السابق بالتخلي من مبارك وهو يواجه الاحتجاجات الشعبية خيانة من قبل مستبدين آخرين في الشرق الأوسط.
وقال كيركباتريك:” كان مرسي يسمع من أوباما بعض الكلام عن الدعم الفعلي للديمقراطية وكان يعتقد بسذاجة أن حكومة الولايات المتحدة موحدة”.
لكن واشنطن كانت منقسمة حول ما إذا كانت ستدعم مرسي المنتخب ديمقراطياً أو السيسي، لا سيما مع تنامي الاحتجاجات ضد مرسي.
المصريون يهاجرون عبر المتوسط
عندما أعلن السيسي الإطاحة بمرسي، تعهد بتحقيق “مصالحة وطنية” في أكبر دول العالم العربي من حيث عدد السكان.
لكنه وبدلاً من خارطة الطريق الموعودة للانتخابات والاستقرار في المستقبل، فرض حكماً استبدادياً يقول الخبراء إنه يفوق الذي شهدته مصر في عهد عبد الناصر أو السادات أو مبارك.
في غضون ذلك، انهار الاقتصاد المصري، وأدى ارتفاع التضخم وأزمة العملة إلى دفع الطبقة الوسطى إلى الفقر، ودفع كذلك بالمزيد من المصريين إلى الهجرة في رحلاتَ خطرة عبر البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا.
حاول السيسي تسويق نفسه كمن يمدّ يده إلى المعارضة وسط الأزمة الاقتصادية، فأطلق مبادرة الحوار الوطني التي شجبتها جماعات حقوق الإنسان على نطاق واسع.
وألمحت الحكومة إلى أن الانتخابات الرئاسية ستُجرى في وقت لاحق من هذا العام، لكن قلة يتوقعون أن تكون حرة أو نزيهة، فمع اعتقال أفراد عائلة المنافس الوحيد المعلن للسيسي، وضعت السلطات المصرية ما يقدر بنحو 60 ألف سجين سياسي في السجون.
تأتي ذكرى الانقلاب في مصر في الوقت الذي تتضاءل فيه فرص جيرانها في تونس في الديمقراطية بعدما عزز الرئيس قيس سعيد سلطته الاستبدادية، وفيما ينهار الانتقال الديمقراطي في السودان تحت وطأة القتال بين الجيش ووحدات الدعم السريع.