بقلم عماد أحمد
ربما لاحظت ارتفاعًا طفيفًا في الأسابيع الأخيرة على وسائل التواصل الاجتماعي لأشخاص يشاركون مقتطفات من ChatGPT، وهي أداة ذكاء اصطناعي قادرة على إنتاج نصوص مكتوبة بشكل جيد والتي يمكن أن تقدم بسهولة على أنها مكتوبة بأيدي بشرية.
وبغض النظر عن الادعاءات المغلوطة من قبل الصحفيين بأن وظائفهم ستصبح زائدة عن الحاجة، فإن الأداة لها آثار واضحة على المؤلفين والمبدعين وحتى المعلمين الذين يقيمون المقالات.
تم إطلاق برنامج الدردشة الآلي المدعوم بالذكاء الاصطناعي بواسطة شركة (OpenAI)، ومن بين مؤسسيها البارزين سام ألتمان، الرئيس السابق لمسرّع التكنولوجيا (Y Combinator)، وإيلون ماسك وآخرون.
ومن خلال الهدف المعلن المتمثل في إنشاء “أنظمة مستقلة للغاية تتفوق على البشر في معظم الأعمال ذات القيمة الاقتصادية”، يحظى مختبر الأبحاث بدعم عمالقة التكنولوجيا، مثل مايكروسوفت، التي ضخت مليار دولار في الشركة في عام 2019.
تستند (ChatGPT) إلى نموذج لغة (GPT-3) الخاص بـ (OpenAI)، ولتلخيص ميزتها الرئيسية، يمكنها تقديم إجابات شبيهة بإجابات الإنسان على سؤال ما، وإنتاج أي شيء من القصائد الطويلة إلى تأملات في السياسة العالمية.
إن ما يجعل الأداة فريدة من نوعها بالمقارنة بالأدوات المماثلة الأخرى هو أنها تستخدم بيانات موجودة مسبقًا، وليس البيانات التي تحصل عليها كلما زاد استخدامها، وهناك أيضًا ضبط بشري دقيق لضمان أن تكون الإجابات ذات صلة بما يُطلب.
كما أن أداة (ChatGPT) تتذكر الردود السابقة في نفس المحادثة المستمرة، مما يسمح لها بإضافة سياق وتفاصيل إضافية على النص، تمامًا مثلما يتعمق شخصان في موضوع ما في نفس المحادثة.
التداعيات هائلة، خاصة عندما يتعلق الأمر بمستقبل محركات البحث.
غالبًا ما يتعين على شخص ما يستخدم جوجل البحث في مجموعة لا بأس بها من النتائج قبل الاستقرار على شيء موثوق به وذو صلة بموضوع البحث، إلا أن الدمج المحتمل لتقنية شبيهة بـ (ChatGPT) في محرك البحث قد يؤدي إلى التخلص من هذه العملية بالكامل عن طريق توفير إجابة مباشرة ومتماسكة ومتعلقة بالموضوع بنفس الوقت.
يعتبر هذا كله جيدا عندما يتعلق الأمر بالحقائق الموضوعية، مثل عدد الكواكب في النظام الشمسي، على سبيل المثال، ولكن ماذا عن عمليات البحث التي تكون الإجابات فيها شخصية وغير موضوعية؟
لقد ماتت الأسطورة القائلة بأن الذكاء الاصطناعي غير متحيز ونزيه وعقلاني منذ فترة طويلة، وساعد في زوالها برامج مغمورة مثل برنامج الدردشة الآلي من مايكروسوفت المسمى (Tay) وهو اختصار للجملة التي تعني بالعربية “التفكير فيك”؛ حيث يختص هذا البرنامج بتغريدات عنصرية وأخرى تنفي الهولوكوست.
مبدأ “العبها بأمان“
يجب أن يكون واضحًا منذ البداية أنه على الرغم من إتاحتها الوصول للجمهور، إلا أن الأداة ما زالت قيد التنفيذ إلى حد كبير خاصة وأنها تعتمد على مجموعات بيانات تقتصر على المعلومات التي تم جمعها قبل عام 2020، وبالتالي فلا يزال المطورون يتخلصون من مكامن الخلل.
وبالرغم من صعوبة استحضار أمثلة صارخة على استخدام (ChatGPT) للعنصرية او فيما يتعلق بالتحيز لبعض الأمور الحساسة كقضايا النوع الاجتماعي وبعض المواقف المتطرفة، فإن فيها ما قد يعتبره الكثيرون تحيزات خفية عبر العديد من الموضوعات المختلفة وطريقة الخدمة.
فعلى سبيل المثال، عند حث (ChatGPT) على التحدث عن عنصرية دونالد ترامب المزعومة، كان الرد الذي تلقيته عامًا لدرجة أنه يمكن اتهام الأداة بالتجاهل.
لقد كان الرد الذي تلقيته هو أنه من غير المناسب إجراء مثل هذه “التعميمات” حول شخص ما بناءً على معلومات محدودة.
لقد كان ردًا مفاجئًا نظرًا لكم الملاحظات والسلوك العنصري الذي تراكم حول ترامب خلال عقود.
وعندما تابعت الاستعلام بسؤال حول عنصرية David Duke، لم تتردد الأداة في تقديم رأي مفصل في الملاحظات حول الناشط اليميني المتطرف وانتمائه، حتى أنهت الإجابة بـ ملاحظة حول الطبيعة الخطيرة والضارة للتمييز.
أظن أن أداة الدردشة قد تلقت الكثير من المدخلات اليدوية والتدريب فيما يتعلق بالموضوعات النقاشية المباشرة كتلك التي تتناول الحديث عن دونالد ترامب مثلا، في محاولة لتجنب الإساءة إلى قاعدة معجبيه الجمهوريين.
هذا النهج اللطيف “العب بأمان” قد يصد السياسي اليميني المتطرف الأكثر إثارة للنزاع، لكنه يفتح مجالًا آخر من التحيز، وهو مجال التكافؤ الزائف.
وفي سياق المملكة المتحدة، تلقى كل من نايجل فاراج وبوريس جونسون وجيريمي كوربين ردودًا مماثلة، على الرغم من أن واحدا من هذه الشخصيات قد كرس حياته السياسية بالكامل لمكافحة الخطاب العنصري، فقد تم “اتهام الثلاثة بالعنصرية”، وفقًا لـ (ChatGPT)، التي تضيف “لست في مكان يسمح لي بأن أحكم” على ما إذا كانت مثل هذه الاتهامات تحمل مصداقية.
بخصوص فلسطين
سألت أيضًا أداة الدردشة عينها عن حقوق الفلسطينيين، ومن المدهش أن الإجابة كانت أكثر تفصيلاً، وأضافت سياقا حقيقيا، أفترض أن السبب في ذلك هو أن الموضوع قد تم تناوله من قبل المختبر مع مراعاة أكبر من القضايا الخلافية المماثلة الأخرى حول العالم.
عندما ضغطت أكثر على هذا الموضوع، قدم موقع (ChatGPT) تفصيلا حول الطرق التي يواجه بها الفلسطينيون التمييز، إلا أن “كعب أخيل” في هذا الموضوع كان عندما سألت ما إذا كان الفلسطينيون والإسرائيليون يعانون على قدم المساواة، مما جعل التشات بوت يرد بالقول “كلا الجانبين”.
لا تشير الإجابة إلى حقيقة أن الفلسطينيين يفقدون عددًا من القتلى المدنيين أعلى بأضعاف المرات من الجانب الإسرائيلي ولا إلى أن القمع اليومي للفلسطينيين في الأراضي المحتلة لا يضاهى في خطورته ذلك الذي يتعرض له المواطن الإسرائيلي اليهودي العادي.
في الواقع، تخلص الأداة إلى أنه: “ليس من المثمر أو الاحترام إجراء مقارنات أو أحكام حول معاناة الأفراد، أو الجماعات، أو محاولة إلقاء اللوم، أو المسؤولية عن النزاع”.
ولوصف الأمر بأكبر قدر ممكن من الدبلوماسية، فإن أولئك الذين طردوا خلال نكبة عام 1948 من قبل المليشيات الصهيونية أو أصيبوا خلال القصف الإسرائيلي لغزة، سوف يعترضون.
وفي هذا الخصوص، يقرر موقع (ChatGPT) أن حق أولئك المطرودين من الأراضي، التي أصبحت فيما بعد تشكل دولة إسرائيل، يجب أن يتم تقريره خلال المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، في نص يبدو أنه تم تدريبه حصريًا على قراءات صحفية لوزارة الخارجية الأمريكية.
خطر مجموعات البيانات
إن القضية هنا لا تتمحور حول ما إذا كان يجب على الذكاء الاصطناعي أن يكون خاليًا من العيوب من الناحية الأخلاقية قبل تقديمه للجماهير، بل هي حول تسليط الضوء على أوجه القصور فيه، لا سيما كأداة تهدف إلى التثقيف.
وسواء كان مؤسسوها يعتزمون ذلك أم لا، فعند تقديمها بالكامل للجمهور، ستتنافس الأداة مع صفحة ويكيبيديا المكتوبة بشكل نقدي.
ببساطة، سيتخذ الناس يومًا ما قراراتهم بشأن المعلومات المقدمة لهم من خلال تقنية ذكاء اصطناعي تدعي التظاهر بالحياد، بينما تظل معيبة في موضوعات، مثل العنصرية في السياسة والقضية الفلسطينية أكثر من البشر.
يقترب هذا اليوم أكثر من أي وقت مضى مع إعلان مايكروسوفت أنها ستدمج أداة الدردشة في محرك بحث (Bing) الخاص بها.
وعلى الرغم من أن هذه بالطبع تجربة سردية أخرى لأوجه القصور والتحيزات في (ChatGPT)، إلا أنها تضاف إلى مشاكل نماذج الذكاء الاصطناعي التي يعرفها الأكاديميون المتمرسون.
وقبل عامين، طرد محرك البحث، جوجل، الباحث المختص بالأخلاق والذكاء الاصطناعي، المدعو Timnit Gebru بسبب دراسة له حول الذكاء الاصطناعي ومخاطر استخدام مجموعات البيانات الكبيرة.
إن فكرة أداة الدردشة هذه تهدف إلى إلغاء الشخصية وإعادة ترتيب أولويات تفاعلاتنا مع الأصدقاء والأحباء، لا سيما أنها تُستخدم في الغالب بواسطة خدمات عملاء التجارة الإلكترونية لتحديد الاهتمامات.
وخلاصة الأمر فإن هذه الأداة هي وسيلة للمؤسسات الكبيرة للتنصل من المسؤولية أثناء استخدام التكنولوجيا المصنوعة من المدخلات العامة.
بينما سيستمر إحراز تقدم في تطوير منتجات الذكاء الاصطناعي، فإن مبرمجي خوارزمياتها سيظلون بشرًا بما يكفي لخداعنا.