لماذا لقيت دعوة تركيا لوقف إطلاق النار آذاناً صماء؟

بقلم راغب صويلو

ترجمة وتحرير نجاح خاطر 

حين شنت حركة حماس الفلسطينية هجومها على إسرائيل الذي أسفر عن مقتل مئات المدنيين والجنود في 7 تشرين الأول / أكتوبر، سارعت السلطات التركية إلى مطالبة قادة الحركة بمغادرة البلاد، وذلك لرغبة أنقرة بأن لا يرتبط اسمها بالهجوم، الأمر الذي يساعدها على القيام بدور الوسيط.

وفي أعقاب ذلك، أصدر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بيانات متوازنة، أدان فيها هجوم المقاتلين الفلسطينيين وكذلك القصف الإسرائيلي على غزة، ودعا إلى وقف التصعيد واللجوء إلى الحوار، مشيراً إلى أن أنقرة مستعدة للمساعدة في تسهيل إطلاق سراح الرهائن.

غير أن هذه الدعوات لم تؤت ثمارها، وظل تأثير أنقرة الدبلوماسي على مجريات الصراع محدوداً، مع استمرار غياب وقف إطلاق النار عن الأفق، لماذا؟

هناك عدة أسباب تقف وراء عدم تحقيق الجهود الدبلوماسية التركية للنتائج المتوخاة، وكذلك وراء ضعف أدواتها في هذا الصراع.

يختلف الحال عن نجاح تركيا في التوسط في الحرب الروسية الأوكرانية، حيث كانت تتمتع بمزايا معينة، إذ تعتبر أنقرة شريكاً اقتصادياً أساسياً لكل من روسيا وأوكرانيا، وتحافظ على حوار مفتوح مع كليهما، وعندما دعا أردوغان إلى محادثات وقف إطلاق النار هناك، كان لدى كلا البلدين ثقة به، وكانا على استعداد للتحدث.

أما فيما يتعلق بحرب غزة، فلا تملك أنقرة نفوذاً كافياً لإجبار إسرائيل على المحادثات، وفي حين تجمع الروابط الاقتصادية القوية أنقرة وتل أبيب، إلا أن هذه الروابط لا تحمل وزناً سياسياً، وهي ليست روابط وجودية.

فرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يحب أردوغان، والشعور متبادل، وقد قال مسؤولون إسرائيليون إنهم غير مستعدين للتفاوض حتى تفرج حماس عن جميع الرهائن، وهكذا ركزت إسرائيل على الانتقام و”محو غزة” بدلاً من السعي إلى الحوار.

صفقات الوساطة

والمثير للدهشة أن قادة إسرائيل لم يصدروا أي بيانات ترحيب بطلب أنقرة من قادة حماس مغادرة البلاد فوراً عقب هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وبالمقارنة مع دول مثل إيران، فقد كشفت تركيا أن تأثيرها كان أكثر توازناً على الحركة المسلحة، وهو ما يمكن أن يصب في صالح كافة الأطراف المعنية بالقضية.

كما بذل الأردنيون والمصريون والقطريون جهودًا للتوسط في الصفقات، ويبدو أن كلاً من إسرائيل وحماس اختارتا قطر للمشاركة في الجزء الأكبر من المحادثات، بسبب العلاقات طويلة الأمد وقدرة الدوحة على التوسط في التفاهمات السابقة.

من جانبها، لم تتعاون واشنطن مع تركيا بشأن الأزمة الأخيرة، حيث اختار الرئيس الأمريكي جو بايدن دعم نتنياهو دون قيد أو شرط، ما أدى إلى قتل فرص إجراء محادثات ذات أهمية، ورغم أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن قد ناقش قضية الرهائن مع نظيره التركي هاكان فيدان، إلا أن نفوذ أنقرة داخل البيت الأبيض كان محدوداً خلال العقد الماضي وسط سلسلة من الخلافات.

سعت تركيا، منذ بداية الأزمة، إلى وقف التصعيد، وركزت على أهداف يمكن تحقيقها، وخلال جولته في المنطقة، نقل فيدان رسالة واحدة إلى الأردن ومصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، مفادها بحسب مصادري: “أنقرة مستعدة لدعم الدول العربية في موقفها ضد إسرائيل، ولا يبدو أنها ستكسب أي شيء من هذا الصراع وترغب في رؤية جبهة موحدة”.

ودعمت أنقرة مؤتمر السلام المصري، في الوقت الذي تجاهلت فيه الرياض بلينكن وجعلته ينتظر لساعات ثم أجلت الاجتماع المقرر معه واستدعى الأردن سفيره لدى إسرائيل للتشاور وحذت حذوه أنقرة.

أرادت الرياض استضافة مؤتمر مع الدول الإسلامية حول فلسطين، وهو ما تقول مصادري إنه مستوحى من اقتراح تركي حول هذا الموضوع، وقد دعمت أنقرة هذا الجهد، وتوصل الدبلوماسيون الأتراك إلى عدة أفكار للإعلان المشترك الذي تلا ذلك والذي ركز على إطلاق تحقيق في المحكمة الجنائية الدولية والسعي إلى إصدار حكم من محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل، إلى جانب آليات جمع الأدلة على جرائم الحرب الإسرائيلية.

انتقاد إسرائيل

كما اقترح فيدان “نظام ضمان” للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، واقترح تواجد قوات دولية في غزة لتجنب المزيد من جولات التصعيد.

وفي الوقت نفسه، استخدم أردوغان حضوره الإعلامي بشكل فعال للتنديد بالإجراءات الإسرائيلية القاسية، وتسليط الضوء على تقاعس الغرب ومعاييره المزدوجة وسط الأزمة الإنسانية الكبيرة وتزايد عدد القتلى في غزة.

وأشار بعض المعلقين على وسائل التواصل الاجتماعي إلى أن أنقرة قد تتصرف عسكرياً ضد إسرائيل، لكن مثل هذا الاحتمال غير منطقي، فتركيا ليست دولة مارقة قد تخوض حربًا ضد أحد جيرانها ما لم يتم استهداف مصالحها المباشرة بشكل علني، وقد سعت منذ بداية الأزمة إلى وقف التصعيد، بدلاً من توسعته إلى النهاية في الإقليم.

واستناداً إلى عدة أزمات دبلوماسية مع تل أبيب، تعلمت أنقرة أن الإجراءات العقابية ضد إسرائيل لا تؤدي إلى نتائج، ولأن نفوذها في مواجهة إسرائيل محدود للغاية، فقد ركزت تركيا بدلاً من ذلك على سبل فتح أبواب الحوار، في حين انتقدت إسرائيل علناً بسبب الفظائع التي ارتكبتها في غزة.

ومن المرجح أن يواصل أردوغان توجيه الانتقادات الكلامية المكثفة ضد إسرائيل طالما استمر العدوان على غزة، وفي الوقت نفسه، ستبذل البلاد كل ما في وسعها للمساعدة في تخفيف معاناة القطاع من خلال المساعدات الإنسانية الطارئة وجلب المرضى المصابين بأمراض خطيرة إلى تركيا.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة