في حدث غير مسبوق في تاريخ الولايات المتحدة، انتُخب السياسي التقدمي زهران ممداني عمدةً لمدينة نيويورك، ليصبح أول مسلم يتولى قيادة أكبر مدينة أميركية. فمن هو ممداني، وما هي أبرز محطات حياته ومسيرته السياسية التي قادته إلى هذا المنصب التاريخي؟
المولد والنشأة
وُلد زهران كوامي ممداني يوم 18 أكتوبر/تشرين الأول 1991 في العاصمة الأوغندية كمبالا، وانتقل مع عائلته وهو في الخامسة من عمره إلى كيب تاون بجنوب أفريقيا، ثم إلى مدينة نيويورك بعد عامين فقط، حيث استقر بها بشكل دائم.
ينتمي ممداني إلى عائلة تجمع بين العلم والفن؛ فوالده هو الأكاديمي البارز محمود ممداني، أستاذ العلوم السياسية بجامعة كولومبيا، وواحد من أبرز المفكرين في دراسات ما بعد الاستعمار، أما والدته فهي المخرجة العالمية ميرا ناير، صاحبة أفلام شهيرة مثل “ميسيسيبي ماسالا” و”زفاف في موسم الأمطار”.
تأثر زهران منذ صغره بتجربة والده الفكرية وانشغاله بقضايا الهوية والعدالة، كما استلهم من والدته روح الإبداع والانفتاح على الثقافات المختلفة، مما شكّل شخصيته السياسية لاحقًا.
نال الجنسية الأميركية عام 2018، وتزوج في عام 2025 من الفنانة التشكيلية السورية راما دواجي، في زواج وصفته الصحف الأميركية بأنه “تحالف بين الفن والنضال”.
الدراسة والتكوين العلمي
تلقى ممداني تعليمه الأول في المدارس العامة بمدينة نيويورك، وتخرّج في مدرسة برونكس الثانوية للعلوم، إحدى أبرز المدارس الأكاديمية في الولايات المتحدة. وفي عام 2014، حصل على درجة البكالوريوس في الدراسات الأفريقية من كلية بودوين (Bowdoin College) بولاية ماين.
يتقن زهران الإنجليزية والسواحيلية والهندية، ما ساعده في التواصل مع سكان نيويورك من خلفيات متعددة. وخلال دراسته الثانوية أسّس أول فريق كريكيت في مدرسته، وبدأ نشاطه السياسي من خلال منشورات طويلة على “فيسبوك”، قبل أن يتحول اهتمامه لاحقًا إلى العمل الميداني المنظم.
في الجامعة، أسس أول فرع لحركة “طلاب من أجل العدالة في فلسطين” (SJP)، ونظّم حملات وطنية بالتعاون مع منظمات تقدمية، دعمت مرشحين يساريين وسعت إلى توسيع نطاق التأمين الصحي العام.
التجربة العملية والسياسية
قبل دخوله عالم السياسة، كان ممداني معروفًا في مشهد موسيقى الراب تحت الاسم الفني “Mr. HILL”، لكنه سرعان ما اتجه إلى العمل الاجتماعي والسياسي، منخرطًا في حملات لإصلاح قوانين الإسكان وإلغاء ديون الطلاب الجامعيين.
عمل مستشارًا في مجال منع حجز المساكن (Anti-eviction Advocacy)، وهي التجربة التي غيّرت مسار حياته. يقول عنها: “أدركت أن أزمة السكن لم تكن مصادفة، بل نتيجة قرارات سياسية متعمدة.”
في عام 2017، انضم إلى حركة “الاشتراكيون الديمقراطيون في أميركا” (DSA)، أكبر منظمة اشتراكية في البلاد، الساعية إلى جعل العدالة الاجتماعية جزءًا من السياسة الأميركية السائدة.
وفي عام 2020، فاز في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، وأصبح عضوًا في الجمعية التشريعية لولاية نيويورك عن الدائرة 36 في أستوريا، ليكون ثالث مسلم يتولى هذا المنصب في تاريخ الولاية.
مواقفه السياسية ومناصرته لفلسطين
تميّز ممداني بموقفه الصريح من القضية الفلسطينية، إذ وصف الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2021 بأنها “إبادة جماعية”، وكان من الأصوات القليلة داخل الجمعية التشريعية التي طالبت بوقف تمويل الشرطة المتعاونة مع جيش الاحتلال الإسرائيلي.
شارك في فعاليات مؤيدة لفلسطين في نيويورك، وصوّت ضد مشاريع قوانين تحدّ من حرية التعبير الداعمة لحركة المقاطعة (BDS). وفي إحدى جلساته الشهيرة قال:”لا يمكن أن تكون هناك عدالة في نيويورك بينما نغضّ الطرف عن الظلم في فلسطين.”
“لقد فاز ابن المهاجرين الذي دافع عن فلسطين ووقف مع البسطاء… وهذه المرة، استجابت له نيويورك.”
رغم الهجوم الشديد الذي تعرّض له من جماعات ضغط موالية لإسرائيل، فإن مواقفه زادت من شعبيته بين الناخبين الشباب والمجتمعات المسلمة والعربية والأفريقية في المدينة.
حملته الانتخابية وشعار “نيويورك التي يمكن تحمّلها”
في أكتوبر/تشرين الأول 2024، أعلن زهران ممداني ترشحه لمنصب عمدة مدينة نيويورك، تحت شعار “نيويورك التي يمكن تحمّلها” (An Affordable New York).
ركزت حملته على ثلاث أولويات أساسية:
- وقف ارتفاع الإيجارات عبر سياسة ضبط الأسعار.
- توفير وسائل نقل عام مجانية لتخفيف العبء على العمال.
- فرض ضرائب تصاعدية على الشركات الكبرى لتمويل الخدمات العامة.
قال في إحدى مناظراته: “نيويورك أصبحت مدينة تعمل لخدمة الأغنياء، بينما يُطلب من الباقين أن يقاتلوا للبقاء على قيد الحياة.”
حظي ممداني بدعم قوي من التيار الديمقراطي الاشتراكي داخل الحزب الديمقراطي، ومن شخصيات بارزة مثل السيناتور بيرني ساندرز والنائبة ألكساندريا أوكاسيو كورتيز. في المقابل، واجه هجومًا عنيفًا من جماعات الضغط الموالية لإسرائيل، ووُصف في بعض الصحف بأنه “المرشح الذي أرعب تل أبيب”، وفق صحيفة هآرتس الإسرائيلية.
طريقه إلى الفوز
في 25 يونيو/حزيران 2025، فاز ممداني في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي متفوقًا على الحاكم السابق أندرو كومو، أحد أركان المؤسسة السياسية التقليدية في نيويورك. وبعد فرز أكثر من 95% من الأصوات، تصدر ممداني السباق بنسبة 43% مقابل 36% لكومو.
وفي 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، فاز رسميًا بمنصب عمدة مدينة نيويورك بعد تغلّبه على المرشح الجمهوري كورتيس سْليوا وكومو الذي خاض الانتخابات مستقلاً. وحصل على 50.4% من الأصوات مقابل 41.3% لمنافسه الجمهوري، متقدمًا بأكثر من مئة ألف صوت.
مواقفه من ترامب والجدل حوله
يُعرف ممداني بانتقاده الحاد للرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي شنّ عليه هجومًا شخصيًا خلال الحملة الانتخابية، وكتب عبر منصته تروث سوشيال: “أي شخص يهودي يصوّت لزهران ممداني هو شخص غبي.”
وجاءت هذه التصريحات بعد أن وصف ترامب ممداني بأنه “يكره اليهود”، بسبب مواقفه المؤيدة لفلسطين ورفضه الاعتراف بإسرائيل كـ”دولة يهودية”.
عمدة مسلم في قلب نيويورك
بهذا الفوز، دخل زهران ممداني التاريخ كأول عمدة مسلم في تاريخ مدينة نيويورك، وأحد أبرز رموز الجيل التقدمي الجديد في السياسة الأميركية. يراه أنصاره تجسيدًا لحلم المدينة المتنوعة التي تتسع للجميع، بينما يعتبره خصومه “وجه اليسار الجديد” الذي يهدد نفوذ النخب التقليدية.







