احتجاجات فرنسا.. حياة العرب والسود والمسلمين لا تعني شيئاً بالنسبة للشرطة العنصرية

بقلم ريان فريشي

ترجمة وتحرير مريم الحمد

عشية عيد الأضحى، قُتل المراهق الفرنسي من أصل جزائري ومغربي، نائل مرزوقي، بوحشية على يد ضابط شرطة عند توقفه على إشارة مرور في شوارع العاصمة الفرنسية باريس.

الشرطة الفرنسية وصفت الحادث في البداية بأنه “حالة دفاع مشروع عن النفس”، ولكن تصوير المشهد أثبت مغالطة الرواية الرسمية، فقد ثبت أن نائل لم يكن يهدد حياة الضابط بأي شكل من الأشكال، بل تم إطلاق النار عليه من مسافة قريبة عندما حاول الفرار.

تمت مشاركة الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي ولقي انتشاراً واسعاً، مما أثار موجة غضب في جميع أنحاء فرنسا خلال ساعات فقط من وقوع الجريمة، وفي الوقت الذي كان يستعد فيه المسلمون لاستقبال عيد الأضحى، تحولت أفراحهم إلى حزن كبير.

في قضية نائل مرزوقي، تم تمرير القانون الذي يسمح باستخدام الشرطة للأسلحة النارية في المناطق ذات الأغلبية المسلمة، أو فلنقل “رخصة للقتل”!

التظاهرات انطلقت في منطقة نانتير، مسرح الجريمة، وخلال ساعات انتشرت التظاهرات في مناطق عديدة، واستهدف المتظاهرون مؤسسات الدولة، واحرقوا البلديات، وهاجموا مراكز الشرطة، وقاموا بتخريب بعض المدارس، بالإضافة إلى نهب المتاجر.

اللافت أن معظم المتظاهرين المتورطين في أعمال الشغب كانوا من أعمار صغيرة، فقابلتهم الدولة بحملة قمع صارمة، فنشرت وزارة الداخلية 45 ألف شرطي وتم استخدام الأسلحة العسكرية بما فيها الغاز المسيل للدموع والعربات المدرعة، وتم القبض على المئات.

الإسلاموفوبيا هي جوهر الخطاب السياسي الفرنسي، فتجريم المسلمين هو الأمر السائد، الأمر الذي يوفر أرضية خصبة للعنف

وتعد أعمال الشغب هذه تعبيراً واضحاً عن الإحباط والغضب نتيجة الظلم الصارخ، حيث ينظر المتظاهرون إلى الدولة ومؤسساتها على أنها الجاني المسؤول عن معاناتهم، وأن تظاهرهم شكل من أشكال المعارضة السياسية التي عبر عنها جيل من المسلمين والمراهقين غير البيض بالعموم، أي الفئات التي تعتبر حياتها أرخص وأقل أهمية لدى الدولة الفرنسية! 

عنف ممنهج

فرنسا لديها تاريخ حافل بجرائم القتل لأسباب تتعلق بـ الإسلاموفوبيا والعنصرية وعلى يد الشرطة، فمنذ عام 1991، اندلعت أكثر من 21 انتفاضة عنيفة المظاهر احتجاجاً على جرائم عنصرية ارتكبتها الشرطة الفرنسية، ففي عام 2022 وحده، قُتل رجل واحد على الأقل من أصل أفريقي على يد الشرطة كل شهر!

تعود جذور هذه الوحشية إلى مخلفات الماضي الاستعماري الفرنسي، فقد كانت وظيفة تطبيق القانون هي إخضاع المسلمين السكان الأصليين لما تسميه فرنسا “قيم الجمهورية”، وعليه تم منع المسلمين من التعبير المشروع عن معارضتهم السياسية، وهو الدور الذي ورثته الشرطة اليوم لكن في سياق مختلف.

تعد وحشية الشرطة قضية منهجية ذات أهداف سياسية محددة، فهي الوسيلة التي تستخدمها الدولة الفرنسية من أجل “حماية قيم الجمهورية” وعرقلة النمو السياسي للمسلمين والأقليات العرقية بشكل عام، بل يمكن القول أن وحشية الشرطة هي القاعدة في الأحياء الإسلامية!

في بيانها، أشارت المتحدثة باسم مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، رافينا شامداساني، إلى أنها قلقة بعد مقتل المراهق مرزوقي، مشيرة إلى أن “هذه لحظة للبلاد للتعامل بجدية مع القضايا العميقة للعنصرية والتمييز في تطبيق القانون”.

لقد تم وضع التشريعات في فرنسا بما ينظم ممارسات الشرطة بطريقة تحمي وظيفتها في معاداة الإسلام والعنصرية، يعني على مقاس حصانة الشرطة ومنح الضباط حرية التصرف، ففي قضية نائل مرزوقي، تم تمرير القانون الذي يسمح باستخدام الشرطة للأسلحة النارية في المناطق ذات الأغلبية المسلمة، أو فلنقل “رخصة للقتل”!

أجواء مسمومة

يجب وضع الجريمة التي حصلت عشية العيد في سياق الوضع الحالي لفرنسا، وذلك من أجل فهم الدوافع التي تحرك الكثير من المواطنين الفرنسيين من فئة الشباب خاصة، في الواقع، فرنسا باتت موطناً للعنصرية ومعاداة الإسلام.

لا تهتم الدولة الفرنسية إلى حياة العرب والمسلمين والسود، هي ترى أنها يمكنها سحقهم متى ما شاءت، ولا يبدو أن هناك مخرجاً ممكناً من هذه العقلية، أو من إصلاح الشرطة لأن وظيفتها ببساطة هي تنفيذ الإسلاموفوبيا والعنصرية، كما أن أكثر من نصف أعضائها من أحزاب اليمين المتطرف!

الإسلاموفوبيا هي جوهر الخطاب السياسي الفرنسي، فتجريم المسلمين هو الأمر السائد، الأمر الذي يوفر أرضية خصبة للعنف، كما انخرط الإعلام والسياسيون الفرنسيون في الرواية التي تقلب مكان الضحية وتجعله في مكان المجرم عبر شماعة “الإرهاب”، بهدف التقليل من حجم جريمة قتله، ويبرر موته على يد جهات إنفاذ القانون، هذه الرواية هي التي استهدفت في النهاية طفلاً حدثاً وزادت من نفور الفرنسيين تجاه من هم من خلفيات مسلمة أو غير بيضاء.

كما استغل الإعلام والسياسيون أعمال الشغب التي أعقبت الجريمة، من أجل تصوير المظاهرات على أنها مظهر يدل على أزمة أخلاقية وتعليمية لدى هذه الفئات، باعتبار المسؤول عن قتل مرزوقي هو والديه، بسبب افتقارهم إلى الرعاية والتعليم!!

بدلاً من محاولة فهم المظالم السياسية المشروعة التي يعبر عنها العنف في الشارع، تلقي الرواية الرسمية باللوم على ضحايا الإسلاموفوبيا والعنصرية!

هذه صورة فقط عن العواقب التي تحصل نتيجة نزع الإنسانية التي تقودها الدولة عن شرائح محددة من مواطنيها، فحرمانهم من حق الأمان والتعبير السياسي وتقليص حقوقهم الأساسية، يدل على مدى احتقار الدولة في فرنسا لوجودهم.

لا تهتم الدولة الفرنسية إلى حياة العرب والمسلمين والسود، هي ترى أنها يمكنها سحقهم متى ما شاءت، ولا يبدو أن هناك مخرجاً ممكناً من هذه العقلية، أو من إصلاح الشرطة لأن وظيفتها ببساطة هي تنفيذ الإسلاموفوبيا والعنصرية، كما أن أكثر من نصف أعضائها من أحزاب اليمين المتطرف!

أما غضب المشاغبين الصغار، فهو رد فعل متوقع على جريمة قتل مفجعة، لا شك أن الدولة بقمعها سوف توقف أعمال الشغب لبعض الوقت، ولكنها لن تتمكن من تغيير روح المتظاهرين على المدى الطويل بسبب استمرار وجود الأسباب الجذرية للمشكلة.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة