كشف موقع “ميدل إيست آي” البريطاني أن المسجد الذي تم تسليط الضوء عليه في وسائل الإعلام عقب تفجير مانشستر عام 2017 كان هدفًا لحملة تشهير نظمتها حكومة الإمارات العربية المتحدة.
وتبين أن من نفذ الحملة كانت شركة استخبارات سويسرية خاصة استأجرتها أبو ظبي في مسعىً لإنشاء روابط زائفة بين الهجوم والمسجد وجماعة الإخوان المسلمين.
وورد اسم مركز مانشستر الإسلامي، المعروف أيضًا باسم مسجد ديدسبري، من بين مئات المنظمات والأشخاص، معظمهم من المسلمين، في ما لا يقل عن 13 دولة أوروبية، الذين استهدفتهم شركة Alp Services السويسرية بين عامي 2017 و2020.
وظهرت التفاصيل بدايةً عقب تسريب آلاف الوثائق إلى صحيفة ميديابارت الفرنسية قبل ان يتم تبادلها على نطاق واسع مع الصحفيين في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأوسط.
استناداً إلى وثائق سرية حصلت عليها @Mediapart من خلال اختراق Alp Services الشركة الاستخباراتيّة التي يرأسها ماريو بريرو، أُجريت سلسلة تحقيقات "أسرار أبو ظبي" بواسطة أعضاء شبكة الإعلام الأوروبية للتحقيقات (EIC)، ووسائل الإعلام السويسرية Heidi News وRSI Television وDomani… pic.twitter.com/cVZlw7IEVm
— Daraj Media (@Daraj_media) July 7, 2023
وردّت Alp Services بالقول إن الحصول على الوثائق تم بشكل غير قانوني وأنها مزيفة جزئيًا.
وأعرب فوزي حفار، رئيس مسجد ديدسبري، عن عدم تفاجئه عندما علم أن المسجد كان موضوع حملة تشهير.
وقال إن المسجد وأسماء بعض أمنائه ظهرت بالفعل في بعض الشاشات الإعلامية العربية خلال عرضها لوثائق مسربة يُزعم أنها تظهر شبكات حددتها Alp Services على أنها مرتبطة بالإخوان المسلمين.
وقال حفار:” إنه أمر مضحك. بالتأكيد أنا لست قريبًا من الإخوان المسلمين”.
وأوضح أن ذلك لا يثير اهتمامه وأنه وضع الأمر جانبا، فلم تعد تؤثر به تلك الاتهامات، وقال: “دائماً يشوهون سمعتنا”.
وذكر حفار أنه برغم ذلك “منزعج” من الحملة الإماراتية التي استهدفت المنظمات الإسلامية.
وأضاف:” في كل موقع إشكالي يتواجد الإماراتيون، سواء كان ذلك في ليبيا أو تونس أو اليمن، يتدخلون في كل مكان توجد به مشكلة ويسببون المزيد من المتاعب “.
وقال مصطفى غراف، وهو الإمام السابق للمسجد، “لطالما شعرت أن الحملة التي شنت ضدي في مسجد ديدسبري ينظمها شخص لديه أجندة”.
وربط غراف، وهو ليبي، الحملة بدعمه للديمقراطية في ليبيا، وبالمقابل بالدعم الإماراتي لخليفة حفتر، القائد الليبي الشرقي الذي يقاتل الحكومة المعترف بها دولياً في طرابلس للسيطرة على البلاد منذ 2014.
ولم تستجب وزارة الخارجية الإماراتية ولا السفارة الإماراتية في لندن لطلبات ميدل إيست آي للتعليق.
‘وجهان لعملة واحدة’
خضع مسجد ديدسبري للتدقيق في أعقاب تفجير مانشستر أرينا في أيار/ مايو 2017 عندما ورد أن الانتحاري سلمان عبيدي وأفراداً آخرين من عائلته كانوا يترددون عليه في بعض الأحيان.
وخلص تحقيق رسمي في وقت سابق من هذا العام إلى أن المسجد لم يلعب أي دور في تطرف العبيدي، وهو رجل بريطاني ليبي قال التحقيق إنه كان على الأرجح من المقاتلين في ليبيا عندما كان مراهقًا وتأثر بأيديولوجية تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وبصلات عائلته بالجماعة الليبية المقاتلة.
عدسة مختلفة| ميديل ايست اي: أسرار أبو ظبي: كيف تشن #الإمارات حملات التشهير ضد #الاخوان_المسلمين عبر أوروبا
الحلقة كاملة| https://t.co/8a2jJaWwoChttps://t.co/FJCVFVkmZp pic.twitter.com/XLm66Rb9p6— قناة نبأ – برامج (@nabaatvprograms) July 24, 2023
لكن المسجد تعرض لانتقادات في التقرير النهائي للجنة التحقيق التي خلصت إلى أن حفار في إدلائه بالشهادة قد قلل من قوة الروابط بين المسجد وعائلة العبيدي.
وجاء في التقرير أن المسجد أظهر “قيادة ضعيفة” تمثلت في عدم معالجة “بيئة سياسية شديدة السمية” أججها الصراع والاضطرابات في ليبيا.
و عقب نشر التقرير، أخبر حفار الموقع البريطاني أنه يعتقد بأن المسجد قد عومل بشكل غير عادل.
ووفقًا للوثائق التي اطلعت عليها ميدل إيست آي، فقد تم إطلاق الحملة ضد مسجد ديدسبري في عام 2018.
وقد اشتملت الحملة على نشر عدد من المقالات على الإنترنت باللغتين الإنجليزية والفرنسية باستخدام هويات مزيفة ربطت زوراً الهجوم بكل من المسجد وجماعة الإخوان المسلمين وداعش.
وجاء في أحد المقالات: “الإخوان المسلمون وداعش وجهان لعملة واحدة”.
وجاء في أخرى “بينما يُصوَّر تنظيم داعش على أنه تجمع للمختلين عقليًا، ينضم إليه مقاتلون شباب من جميع أنحاء العالم غسلت أدمغتهم لتنفيذ فظائع لا يمكن تصورها عبر “الخلافة” المنهارة، فإن الإخوان المسلمون يعملون كمجندين متحفظين”.
وكانت إحدى القصص باللغة الفرنسية عن المسجد، والتي ظهرت على موقع التدوين الخاص بـصحيفة ميديابارت، من بين 15 قصة أزالتها الصحيفة لاحقًا بعد أن تبين أنها من عمل حساب مزيف.
كما تم تحرير صفحة في ويكيبيديا عن تفجير مانشستر في تشرين أول/ أكتوبر 2018 لإضافة قسم بعنوان: “الروابط مع الإخوان المسلمين”.
وجرى تحديث الصفحة بواسطة مستخدم لم يقم بأي تعديلات أخرى على ويكيبيديا ولم تعد صفحة المستخدم الخاصة به موجودة.
وتم تقليص القسم الموجود على صفحة اللغة الإنجليزية في أيار/ مايو من هذا العام، ولا تزال الصفحة المعدلة تتضمن فقرة واحدة من النص وصورة للمسجد.
كما تمت إضافة نفس القسم إلى صفحة اللغة الفرنسية في ويكيبيديا بواسطة اسم مستخدم مختلف وبقي على الصفحة.
وفي تقرير تقييم الأثر، الذي يعود تاريخه إلى ما بعد نشر المقالات والتحديثات على صفحات ويكيبيديا، كتب المؤلفون: “لقد بدأنا في كشف الدور الذي لعبته جماعة الإخوان المسلمين في الهجوم”.
وقال التقرير إن المطبوعات التي تم نشرها كجزء من الحملة، بما في ذلك قسم ويكيبيديا، بدأت تظهر على الصفحة الأولى من نتائج بحث جوجل حول التفجير.
وأوضحت أن العاملين في الحملة كانوا أيضًا “على اتصال سري مع الصحفيين البريطانيين” و “حاولوا إبلاغ مفوضية المؤسسات الخيرية وتنبيهها بشكل سري للغاية بشأن أحدث الاتصالات التي اكتشفناها”.
ويقول تقرير تم إعداده كجزء من الحملة: “يجب محاسبة شبكات الإخوان المسلمين المتطرفة وحظرها”، وأن “الإخوان المسلمون منظمة إرهابية يجب إيقافها”.
تتضمن المستندات التي اطلع عليها موقع ميدل إيست آي أيضًا تفاصيل متاحة للجمهور عن السجلات المالية للمسجد.
“محاكمة عبر وسائل الإعلام”
يبدو أن الحملة قد بدأت بعد تقرير إخباري لهيئة الإذاعة البريطانية في آب / أغسطس 2018 زعم أن غراف دعا إلى الجهاد المسلح في خطبة له في كانون أول / ديسمبر 2016.
وحذر مسؤولو المسجد غراف وقت الخطبة من أن كلماته يمكن أن يساء تفسيرها.
وقال غراف إن خطبته كانت تهدف إلى التماس التبرعات لجمعية خيرية سورية تقوم بجمع التبرعات في المسجد في وقت كان فيه المعارضون السوريون في حلب تحت الحصار.
وبعد تقرير بي بي سي الإخباري، تم التحقيق مع غراف من قبل كل من المسجد والشرطة وتمت تبرئته من أي مخالفة، وغادر المسجد في عام 2020 وهو الآن مقيم في ليبيا.
وفي بيان قدم إلى لجنة التحقيق الخاصة بمانشستر أرينا عام 2021، قال غراف إنه “حوكم من قبل وسائل الإعلام” بسبب الخطبة التي، كما قال، “تم تحريفها لتناسب أجندة الآخرين”.
وهدفت المواد التي تم إنتاجها كجزء من الحملة إلى ربط غراف بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين (IUMS)، وهو منظمة تتخذ من قطر مقراً لها وكان يرأسها في ذلك الوقت الداعية المصري يوسف القرضاوي، وقد صنفتها الإمارات على أنها جماعة إرهابية وتتهمها بالصلة مع جماعة الإخوان المسلمين.
وقُدم حضور غراف لمؤتمر IUMS في اسطنبول في عام 2014 كدليل على تلك الاتهامات، لكنه أكد لموقع ميدل إيست آي أنه غير مرتبط بجماعة الإخوان المسلمين.
وقال:” بصفتي باحثاً، يتم دعوتي إلى الفعاليات من حين لآخر لتعزيز معرفتي واهتماماتي ولأغراض تعليمية، كما أنني من المؤيدين المعروفين للحكم الديمقراطي الخاضع للمساءلة في ليبيا”.
ومن المعروف أن الإمارات تدعم النظام القديم وحفتر في ليبيا، وبالتالي فهي تحاول تشويه سمعة من يقفون على الجانب الآخر من خلال وسمهم بالمتطرفين والإرهابيين.
كما تنشئ الوثائق والمواد المنشورة روابط بين العديد من أمناء المسجد والجمعيات الخيرية المحظورة في إسرائيل أو الموجودة في قطر، والتي كانت آنذاك تحت الحصار من قبل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والبحرين ومصر.
ويبدو أن الحملة تتبع نمط الحالات الأخرى المبلغ عنها والتي تم فيها إنشاء مقالات للصحفيين والمدونين المزيفين وإضافة معلومات إلى ويكيبيديا في محاولة لتشويه سمعة المستهدفين من خلال اتهامهم بصلات مزعومة مع جماعة الإخوان المسلمين أو قطر.
وكان من الصعب تقييم التأثير لأن مسجد ديدسبري كان يواجه على أية حال أسئلة صعبة حول ما يعرفه عن عائلة العبيدي وأعضاء آخرين من المجتمع الليبي في مانشستر ارتبطت أسماؤهم بالتشدد.
وخضع حفار للاستجواب حول الروابط المبلغ عنها بين المسجد والإخوان المسلمين عندما قدم أدلة إلى تحقيق مانشستر أرينا في عام 2021، وقال في التحقيق:” لا نسمح لأي جماعة بالقدوم واختطاف مسجدنا”.
وأوضح أنه قرأ تقارير عن صلة المسجد المزعومة بالإخوان المسلمين “في الصحف فقط”.
وتابع:” أعرف أن الناس يقولون ذلك عنا، الناس يقولون أشياء كثيرة عنا، لكن يمكنني أن أؤكد لكم، كما يمكنني أن أؤكد للجميع، أن مركز مانشستر الإسلامي هو مسجد رسمي ومعتدل”.
الإشارة الوحيدة إلى جماعة الإخوان المسلمين في التقرير النهائي وردت في قسم يشرح السياق السياسي الليبي الذي توصف فيه الجماعة بأنها “فصيل إسلامي أكثر اعتدالاً” يتناقض مع الجماعات المتشددة التي خلص التقرير إلى أنه من المحتمل أن تكون قد وفرت لسلمان العبيدي التدريب والخبرة القتالية.
وأخبر حفار موقع ميدل إيست آي أنه كان يستبعد أن يكون هناك أية عواقب لجهود Alp Services من أجل إبلاغ مفوضية المؤسسات الخيرية عن المسجد.
وأوضح أن المسجد كان قد زاره في ذلك الوقت مسؤول من أجل التنظيم وأنه وضع خطة عمل لتحسين إدارته.
وأضاف أنه لم يكن هناك سوى مشكلة أو مشكلتين، وأنهم طلبوا منهم ترتيب أمور المسجد وقال: “وهذا ما فعلناه”.
وتابع: “إذا كان هناك أي شيء، فإن مفوضية الأعمال الخيرية ستأتي إلينا على الفور، لكنهم في نفس الوقت حكماء يعرفون متى يحاول شخص ما تشويه سمعتنا”.
وسأل موقع ميدل إيست آي مؤسسة ويكيميديا، المنظمة غير الحكومية التي تقف وراء ويكيبيديا، عما إذا كانت على علم بالتعديلات التي تم إجراؤها على الموسوعة عبر الإنترنت كجزء من حملات التشهير المزعومة من قبل حكومة الإمارات العربية المتحدة، وما هي الخطوات التي تتخذها لمنع المزيد من إساءة استخدام الموقع.
ورد المتحدث بالقول إن متطوعي ويكيبيديا يمكنهم الإبلاغ عن الانتهاكات بما في ذلك “التخريب المتكرر، و”دمية الجورب” (وهي الحسابات الإضافية التي تستخدم للتحرير باستخدام أكثر من اسم واحد)، أو التحرير المدفوع غير المعلن، أو حرب تحرير الصفحات”.
وأشار إلى أن “المعلومات الخاطئة والتضليل هي قضايا يأخذها متطوعو مؤسسة ويكيبيديا على محمل الجد، وهناك العديد من الضمانات الموضوعة لمعالجة هذه القضايا”.
وقال: “سوف تحقق المؤسسة، في بعض الحالات، في قضايا أكبر تتعلق بالمعلومات المضللة أو المحتوى الضار الذي قد يظهر على الموقع.”
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)