بقلم بول خليفة
ترجمة وتحرير مريم الحمد
لقد تم انتخاب قائد الجيش جوزيف عون، الرئيس الرابع عشر للبنان أخيراً، منهياً بذلك فراغاً سياسياً استمر عامين في لبنان، فقد تولى قيادة بلد يعاني من الفوضى ويتصارع مع الانهيار الاقتصادي والخلل السياسي والندوب المتبقية من الكوارث الأخيرة، ورغم طموحاته العالية، إلا أن التحديات التي تواجهه هائلة.
من جهة أخرى، فإن عون يتولى الرئاسة اليوم في ظل التوقيع على هدنة هشة مع إسرائيل، تم انتهاكها مئات المرات منذ توقيعها في نوفمبر الماضي، كما أن مساحات واسعة من جنوب لبنان لا تزال تحت الاحتلال الإسرائيلي.
“تحت قيادتي، سوف يتم محاسبة البنوك وخضوعها للقانون” – جوزيف عون- الرئيس اللبناني الجديد
أما على الصعيد الداخلي، فإن لبنان يرزح تحت وطأة أزمة اقتصادية مدمرة ومستمرة منذ عام 2019، مع قطاع مصرفي معرقل وفساد مستشرٍ، كما أن البلاد لا تزال تعاني من آثار الانفجار الكارثي في مرفأ بيروت عام 2020، ولا زالت تستضيف حوالي مليوني لاجئ سوري.
لقد أصبح لبنان، الذي كان في يوم من الأيام منارة إقليمية للرخاء، يعاني الآن من الفقر وتتجنب القوى الغربية دعمه لفشله في تنفيذ الإصلاحات.
في خطاب تنصيبه، أقر عون بهذه التحديات وتعهد بتنفيذ “إصلاحات واسعة النطاق” والعمل من أجل جميع اللبنانيين بغض النظر عن طائفتهم أو مكانتهم الاجتماعية، وأضاف قائلاً: “يتعين علينا أن نعيد النظر في نهجنا في التعامل مع الحدود والسياسات الاقتصادية والحكم وحماية البيئة”.
“سوف تتم محاسبة البنوك”
وعد عون بمعالجة الأزمة المصرفية في لبنان، ولا سيما الودائع المجمدة والمنخفضة القيمة للمواطنين، قائلاً: “تحت قيادتي، سوف يتم محاسبة البنوك وخضوعها للقانون”.
وفي معرض تناوله لمسألة حساسة سياسياً، ألمح عون إلى ترسانة حزب الله دون أن يذكر صراحة نزع السلاح، فقال: “يجب أن تحتكر الدولة السلاح”، مشدداً على ضرورة الاستثمار في الجيش اللبناني لتأمين الحدود ومكافحة التهريب ومنع العدوان الإسرائيلي.
كان يُنظر إلى ترشيح عون على أنه مدعوم بتأييد الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين والسعودية، ولكن اصطفاف حزب الله الأخير يعكس التوازن السياسي الدقيق في لبنان
في هذا السياق، اقترح عون في خطابه استراتيجية دفاعية تشمل حزب الله، بهدف تنسيق الجهود الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي مع تعزيز سيادة لبنان.
أما على الساحة الدولية، فقد تعهد عون باتباع سياسة خارجية منفتحة لتعزيز العلاقات مع الشرق والغرب مع احترام سيادة لبنان، مؤكداً على الحفاظ على علاقات قوية مع الدول العربية واعتماد ما أسماه “الحياد الإيجابي” في الصراعات الإقليمي.
يبدو نهج عون مصمماً لاسترضاء دول الخليج، خاصة السعودية، التي انتقدت تدخلات حزب الله الإقليمية في اليمن والعراق، كما أعرب عون عن استعداده للتعامل مع سوريا لمعالجة المخاوف المشتركة، بما في ذلك إعادة اللاجئين إلى وطنهم والسيادة على الحدود.
طريق وعر نحو الرئاسة
رغم طموحاته، إلا أن طريق عون إلى الرئاسة لم تكن سلسة على الإطلاق، فالمادة 49 من الدستور اللبناني تمنع كبار المسؤولين أو الموظفين في القطاع العام من تولي مناصب سياسية دون انقطاع لمدة عامين، ولذلك كان انتخابه يتطلب الالتفاف على هذا القانون، مما أثار انتقادات حادة من بعض المشرعين.
كانت الجلسة البرلمانية لانتخابه مليئة بالخلافات الساخنة، حيث فشل عون في الحصول على أغلبية الثلثين المطلوبة في الجولة الأولى من التصويت، إذ حصل على 71 صوتاً فقط من أصل 128، وجاء تقدمه في الجولة الثانية، بعد مفاوضات مغلقة مع ممثلي حزب الله وحركة أمل الذين أدلوا في البداية بأصوات فارغة.
بحسب ما ورد، فقد طلب حزب الله وحلفاؤه ضمانات من عون حول إعطاء الأولوية للانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان وإعادة بناء المناطق التي دمرتها الحرب.
بداية، كان يُنظر إلى ترشيح عون على أنه مدعوم بتأييد الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين والسعودية، ولكن اصطفاف حزب الله الأخير يعكس التوازن السياسي الدقيق في لبنان.
وفي الوقت الذي تمثل فيه رئاسة عون فصلاً جديداً في تاريخ لبنان، إلا أن الأشهر المقبلة سوف تكشف عن قدرة وعوده بالإصلاح والوحدة على الصمود في وجه الحقائق السياسية الراسخة في مجتمع شديد الانقسام.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)