بقلم جو جيل
ترجمة وتحرير مريم الحمد
في أحد استديوهات بي بي سي، وتحديداً في برنامج نيوز نايت، أخذ مجموعة من الصحفيين والسياسيين يناقشون التحية التي ألقاها إيلون ماسك في حفل تنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في واشنطن.
لم يتمكن أي من الضيوف من وصف التحية بما هي عليه بوضوح، بأنها التحية النازية، فماسك لم يكتفِ برفع ذراعه اليمنى بشكل لا إرادي والإشارة بأصابعه إلى السماء، بل ضرب بيده اليمنى على صدره، وتوقف برهة ثم مد ذراعه إلى الخارج بينما كان عشرات الملايين يتابعون الحدث وهتف الآلاف من أنصار ترامب في القاعة.
يبدو أن إشارة ماسك لم تعتبر إلا سوء فهم بسيط بين الأصدقاء المؤيدين لإسرائيل و المهووسين فقط بالاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين متجاهلين التهديد الحقيقي لمعاداة السامية
من جانبه، قلل مراقب بي بي سي المخضرم في السياسة الأمريكية واليمين المتطرف، جابرييل جيتهاوس، من أهمية هذه اللحظة، وكذلك فعلت المرشحة الفاشلة في زعامة حزب المحافظين، بيني موردونت.
اقترح جيتهاوس أنها يمكن أن تكون “تحية رومانية” وقارنها بضفدع كرتوني ظهر في الحملة الرئاسية لعام 2016، فيما لم يكن لدى عضو البرلمان البريطاني الجديد، أليكس بالينجر، سوى كلمات دافئة حول علاقات حكومة حزب العمال مع ترامب رغم اتهام ماسك لأعضاء مجلس الوزراء العمالي ورئيس الوزراء كير ستارمر بارتكاب جرائم متطرفة مثل تمكين “اغتصاب بريطانيا” والدعوة إلى الإطاحة بها.
مجموعات مناصرة لإسرائيل تدعم ماسك
يبدو أنه كلما أوضح ” ماسك ” أنه الزعيم الذي نصب نفسه زعيماً لليمين المتطرف العالمي الذي يرغب في مشاهدة الإطاحة بالحكومات والقادة الذين لا يحبهم، كلما انحنى السياسيون الوسطيون ، فهو أغنى رجل في العالم واليوم بات جزءاً من إدارة ترامب.
لا بد أن يكون لحزب العمال علاقات مع إدارة ترامب وهذا طبيعي، لكن تذلل وزير الخارجية ديفيد لامي وآخرين هو دليل على إفلاس الوسطية في مواجهة صعود الفاشية.
من جانب آخر، فقد دافعت رابطة مكافحة التشهير المؤيدة لإسرائيل عن ماسك وقللت من معاني التحية، فقالت: “يبدو أن إيلون ماسك قام بلفتة غريبة في لحظة من الحماس، وهي ليست التحية النازية، نحن نقدر أن الناس على حافة الهاوية في هذه اللحظة، ويجب على جميع الأطراف أن يمنحوا بعضهم البعض الفرصة وأن يأخذوا نفساً عميقاً فهذه بداية جديدة”.
يبدو أن إشارة ماسك لم تعتبر إلا سوء فهم بسيط بين الأصدقاء المؤيدين لإسرائيل و المهووسين فقط بالاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين متجاهلين التهديد الحقيقي لمعاداة السامية.
أثناء صعود هتلر، رفض العديد من السياسيين ورجال الأعمال الغربيين فكرة أن الزعيم النازي كان يعني ما قاله، وادعوا أن ذلك كان مجرد تمثيل أدائي، وقد ظلت تلك هي الآراء الشائعة بين النخبة الحاكمة البريطانية حتى عام 1940 وغزو فرنسا.
يعد ماسك تجسيداً لفشل الليبرالية الجديدة الذي دام 40 عاماً، والتي يحل محلها اليوم الحكم الاستبدادي لأصحاب المليارديرات
قد يبدو من الممتع اليوم رؤية التحية النازية التي ألقاها ماسك على أنها مجرد استفزاز لليبراليين، كما قال جيتهاوس، ولكنها بالنسبة لضحايا العنف والكراهية الفاشيين، ليست أمراً مضحكاً على الإطلاق.
ضحايا حقيقيون
يواجه ملايين المهاجرين في الولايات المتحدة الآن خطر الاعتقال بموجب أمر تنفيذي أصدره ترامب، وقد أمضى العديد منهم معظم حياتهم في الولايات المتحدة وولد أطفالهم هناك.
أشارت عضو المجلس الإسلامي في بريطانيا، زارا محمد، إلى أن العديد من الشباب المسلمين يمرون “بفترة صعبة للغاية”، فالعديد منهم اختار الابتعاد عن منصة ماسك وبعض مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى، فهي “عدائية للغاية وأنا أود أن أقول أن النقد اللاذع الذي نشهده مثير للاشمئزاز”.
ويأتي تنصيب ترامب في وقت من المتوقع أن تحقق فيه الأحزاب اليمينية المتطرفة فوزاً كبيراً في ألمانيا في فبراير القادم، وذلك للمرة الأولى منذ عام 1945.
أما في المملكة المتحدة، فقد دعا الناشط المناهض للمسلمين، تومي روبنسون، إلى مسيرة لليمين المتطرف في لندن في الأول من فبراير الماضي، فحضر عشرات الآلاف وليس فقط بضع مئات من بلطجية كرة القدم الذين اعتادوا الذهاب إلى مثل هذه الأحداث، فيما واجه الاحتجاج السلمي الذي طالب بإنهاء الدعم البريطاني للإبادة الجماعية الإسرائيلية قمع الشرطة والاعتقالات الجماعية.
لقد كانت تحية ماسك بمثابة رسالة إلى كل جحافل اليمين المتطرف في العالم أن “الآن هو وقتنا، ولن نحتاج بعد الآن إلى إخفاء معتقداتنا حول تفوق العرق الأبيض وهدفنا المتمثل في إعلان الحرب على الأقليات في جنوب الكرة الأرضية خاصة المسلمين في الدول الغربية”.
لا يريد الوسطيون رؤية هذا، ولكنهم هم من مكنوا اليمين المتطرف من الوصول إلى هذا الموقف، مع سنوات من السياسات التي خلقت قدراً من عدم المساواة والفقر في الغرب، في حين قامت بتمويل ودعم الحروب والإبادة الجماعية في الشرق الأوسط.
يعد ماسك تجسيداً لفشل الليبرالية الجديدة الذي دام 40 عاماً، والتي يحل محلها اليوم الحكم الاستبدادي لأصحاب المليارديرات، وسوف أستعير هنا وصف أحد رواد موقع اكس حين علق على تحية ماسك، فكتب: “عندما يخبرونك من هم، عليك أن تصدقهم”.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)