بعد فرارهم من القصف الإسرائيلي… فلسطينيون من غزة يكافحون من أجل البقاء في مصر 

بقلم هالة الصفدي

ترجمة وتحرير مريم الحمد

على مدى 7 أشهر من الحرب على غزة، ظلت الغالبية العظمى من الفلسطينيين محاصرة في المناطق المحاصرة التي كانوا فيها تجنباً لمواجهة الجيش الإسرائيلي، وإلى جانب الرصاص والقنابل، يعاني سكان غزة من آثار الحصار الإسرائيلي على القطاع، والذي أدى إلى انخفاض حاد في تدفق الغذاء والدواء وغيرها من الضروريات.

أما أولئك الذين استطاعوا تحمل تكاليف الخروج والبعد عن الوطن، فقد مروا عبر الحدود المصرية وبدأوا رحلة البحث عن لجوء، حيث تمكن الكثيرون من الانتقال إلى بلدان أخرى، أما أولئك الذين ليس لديهم تأشيرات للسفر إلى الخارج فقد ظلوا في مصر.

“ظروفنا المعيشية فظيعة، أنا مضطر للصرف من مدخراتي وآمل فقط أن تنتهي هذه الحرب قبل نفاد أموالي، لدينا ميزانية محدودة للغاية” – حامد- فلسطيني من غزة

تجدر الإشارة إلى أن غالبية الفلسطينيين الذين خرجوا لمصر خرجوا بهدف العلاج الطبي، والبعض الآخر هم من الطلاب أو الفلسطينيين مزدوجي الجنسية حيث يحملون الجنسية المصرية أيضاً، إضافة إلى المقيمين الذين يمكنهم تحمل رشاوى بآلاف الدولارات للخروج من القطاع المحاصر.

رغم كل ذلك، إلا أن الوصول إلى بر الأمان في مصر لا يعني انتهاء صراعاتهم، بل يمثل بالنسبة للعديد منهم بداية لنوع جديد من الصعوبات، حيث تزداد أوضاعهم سوءاً بسبب غياب مساعدة الدولة المصرية والمنظمات الدولية.

في السطور القادمة تحقيق قام به موقع ميدل إيست آي مع عدد من الفلسطينيين في مصر، والذين طلبوا استخدام أسماء مستعارة، لأن الكشف عن هوياتهم قد يعرض استمرار وجودهم في البلاد للخطر.

صراع في الحصول على عمل

حامد هو أب فلسطيني لديه 3 أطفال ويبلغ من العمر 42 عاماً، وقد تمكن من الخروج من غزة إلى مصر بعد دفع “رسوم التنسيق” البالغة 17,500 دولار.

تم تنسيق دخوله إلى مصر من قبل وكالة “يا هلا” للسفريات، وهي شركة ذات صلة بالمؤسسة الأمنية المصرية وتحتكر التصاريح الخاصة بسكان غزة الذين يحاولون المغادرة.

شروط تأشيرة حامد “المؤقتة” تعني أنه لا يستطيع التقدم بطلب للحصول على وضع الإقامة أو التسجيل كلاجئ، ونتيجة لذلك، لم يتمكن من تسجيل أطفاله في المدارس في مصر ولم يتمكن من العمل أيضاً.

يقول حامد: “ظروفنا المعيشية فظيعة، أنا مضطر للصرف من مدخراتي وآمل فقط أن تنتهي هذه الحرب قبل نفاد أموالي، لدينا ميزانية محدودة للغاية”، وأضاف: “أشعر بخيبة أمل كبيرة بسبب هذا العالم العالم”.

أشار حامد إلى أن الفلسطينيين الذين خرجوا في وقت مبكر حصلوا على أكبر قدر من المساعدة، حيث كان هناك شعور أكبر بالتضامن مع محنتهم، كما أوضح أن أصحاب العقارات كانوا يخفضون بالفعل إيجارات الفلسطينيين من غزة، ولكن حتى هذا بدأ بالتراجع!

ليس لدى أولئك إلا قرار العمل بشكل غير قانوني أو تسجيل شركته الصغيرة مثلاً باستخدام اسم صديق مصري أو أحد أفراد الأسرة، يقول حامد: “لم يكن لدي خيار سوى أن أثق بصديق مصري، لقد دفعت جميع النفقات لبدء هذا العمل على أمل أن أتمكن من الحصول على مصدر دخل ثابت”.

“في مصر، علي أن أدفع الإيجار والفواتير والبقالة، فقد تركنا غزة بلا شيء تقريباً، ولذلك كان عليّ شراء الكثير من الأساسيات عندما وصلنا إلى مصر لأول مرة، وكنت قد استخدمت مدخراتي لدفع رسوم التنسيق والآن انتهى بي الأمر إلى عدم وجود ما يكفي لدفع تكاليف العملية الجراحية لابنتي” – سمر- فلسطينية من غزة 

وأضاف حامد: “لا يوجد شيء باسمي، وهو أمر ليس ذكياً جدًا، ولكن الكثير من سكان غزة يطلبون مني أن أبحث لهم عن وظيفة أيضاً، في بعض الأحيان أسمح لهم بالعمل دون عقد وأعطيهم المال يومياً لأنني أشعر بالأسف تجاه حالهم مع أني أعلم أن هذا غير قانوني”.

الحصول على العلاج

هناك صعوبة أخرى تتعلق بالرعاية الصحية، والتي تعتبر مصدر قلق ملح للاجئين الذين تعرضوا لإصابات، من بينهم سمر وهي أم تبلغ من العمر 39 عاماً، لجأت إلى مصر مع طفليها تاركة زوجها وراءها في غزة.

أصيبت ابنتها البالغة من العمر 16 عاماً أثناء الحرب، لكنها لم تتمكن من الحصول على نقل طبي إلى مصر لأن إصابتها لم تكن مصنفة على أنها خطيرة، وما زالت الفتاة تعاني من 3 شظايا في ساقها اليسرى.

تقول سمر: “ذهبت إلى المستشفيات في مصر لأسأل عما إذا كان بإمكانهم مساعدة ابنتي وإزالة شظايا الشظايا، لكنهم رفضوا علاجها قائلين أنها جاءت إلى مصر عبر تنسيق خاص، لذا لا يمكنهم علاجها مجاناً مثل جرحى غزة الذين تم نقلهم ضمن قوائم الجرحى إلى مصر”، وتضيف: “إنها تُعاقب لأنها دفعت مقابل الخروج من الحرب”.

كانت سمر تعمل كمعلمة في إحدى مدارس الأمم المتحدة في مدينة غزة وما زالت تحصل على أجرها بشكل شهري، إلا أن المبلغ لا يكفي لتغطية احتياجاتها، حتى زوجها بقي في غزة لأنه لم يتمكن من تأمين الرسوم اللازمة لخروجه، فقرر البقاء في غزة لكنه فقد وظيفته منذ بداية الحرب، وبلك، فإن المال الذي تحصل عليه سمر من وظيفتها كمعلمة عليه أن يغطي ليس فقط نفقاتها في مصر، بل أيضاً نفقات زوجها في غزة.

تقول سمر: “في مصر، علي أن أدفع الإيجار والفواتير والبقالة، فقد تركنا غزة بلا شيء تقريباً، ولذلك كان عليّ شراء الكثير من الأساسيات عندما وصلنا إلى مصر لأول مرة، وكنت قد استخدمت مدخراتي لدفع رسوم التنسيق والآن انتهى بي الأمر إلى عدم وجود ما يكفي لدفع تكاليف العملية الجراحية لابنتي”.

التعليم

قامت عدد من المدارس في الضفة الغربية بمبادرة لضمان عدم تخلف الأطفال الفلسطينيين عن دراستهم، وذلك بإعطاء الطلاب من غزة دورات تعليمية عن بعد.

المشكلة هي أن قائمة الانتظار في هذه الدورات طويلة، ولذلك قامت سمر بالتسجيل لدى السفارة الفلسطينية في القاهرة فور وصولها من أجل تسجيل أطفالها في المدارس، تقول سمر: “نحن ما زلنا ننتظر، فقد كانت تجربتي مع السفارة الفلسطينية فظيعة”!

من جهتها، قامت المؤسسات المرتبطة بالأزهر، وهو أعلى سلطة إسلامية سنية في مصر، بالسماح للفلسطينيين بالانضمام إلى الأزهر مجاناً.

في التحقيق، عبر فلسطينيون عن شعورهم بعدم الأمان وعدم اليقين، حيث يقول حامد أن إحدى العائلات التي التقى بها قررت العودة إلى غزة عندما طردها مالك المنزل لعدم قدرتهم على دفع الإيجار، فبات يفضل الموت جوعاً في غزة على البقاء في مصر،حيث نفد ماله ولم يتمكن من العمل”.

للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة